لدى الأمريكيين ولع بالفضائح، فلا يكاد ينجح رئيس في الانتخابات حتى يبدأ العمل في البحث في سجلاته عن أخطاء أو سقطات ارتكبها، وكل حزب ينشط، بل يعمل المستحيل من أجل أن يظفر بأي سقطة للرئيس لكي يعمل إن استطاع على إقالته، حدث ذلك للرئيس الديمقراطي «أندرو جونسون» 1865 - 1869 الذي اتهم بمخالفة القانون على خلفية إزاحته وزير الحرب الأمريكي من منصبه في أعقاب الحرب الأهلية، لأن القانون لا يعطيه هذا الحق، فجرى سحب الثقة منه من قبل مجلس النواب.
أما الضحية الثانية فكان بطلها الرئيس «نيكسون» الذي اتُّهم في القضية المشهورة والتي أطلق عليها (ووتر جيت) بعد أن أشاعت صحيفة «واشنطن بوست» بأنه تم إلقاء القبض على 5 أشخاص كانوا يقومون بزرع أجهزة تنصت على المكالمات الهاتفية للجنة القومية للحزب الديمقراطي، الأمر الذي جعل المحكمة تشك في أن الرئيس «نيكسون» متورط هو ومنظمو حملة إعادة انتخابه، علاوة على كذبه على (إف بي آي)، فبدأ الكونجرس مناقشات لعزله من منصبه، ولما تأكد الرئيس أن أغلبية الكونجرس سيصوتون لعزله، قرر أن يقوم بتقديم استقالته.
والضحية الثالثة كان الرئيس «بيل كلنتون»، حيث تم عزله عام 1998 من منصبه من قبل الكونجرس الأمريكي بعد اتهامه بالحنث باليمين الدستورية وعرقلة العدالة في القضية المعروفة بفضيحة (مونيكا لونسكي) المتدربة في البيت الأبيض، إلا أنه تمت تبرئته من قبل الكونجرس عام 1999 ليكمل باقي ولايته.
الشرارة الأولى لسقوط الرئيس «نيكسون» من السلطة كانت شهادة أدلى بها أحد المحامين المقربين منه في بدايات فضيحة «ووتر جيت» شبيهة بما حصل الآن من (مايكل كوهين) المحامي السابق للرئيس الأمريكي الحالي ترمب، الذي يتهم الرئيس بالاحتيال المالي والضريبي، وانتهاك قوانين تمويل الانتخابات، وكذلك اتهام مدير حملته الانتخابية (بول مانانوت) بنفس التهمة، هذا عدا ما يتردد من أن روسيا قد تدخلت في إجراءات التصويت من أجل فوزه، والسهام على كثرتها ينظر لها الرئيس «ترمب» بالسخرية عبر تصريحاته الصحافية، وعبر حساباته الشخصية.
كارهو الرئيس ترمب ينشطون في جلب الدلائل التي تشير إلى إدانته، ومن ثم عزله، والدستور الأمريكي ينص «على أن عزل الرئيس أو نائبه أو كبار موظفي الدولة يتم عند مخالفتهم وإدانتهم بتهم الرشوة أو الخيانة أو الجنح أو جنايات كبرى أخرى»
وتبدأ مساءلة الرئيس من قبل مجلس النواب، غير أن عزله من منصبه يتطلب موافقة أغلبية ثلثي مجلس الشيوخ، ومعروف أن حزب الرئيس ترمب يسيطر على مجلس الشيوخ وأغلبية كبيرة من النواب، كما أن هناك استشارة قانونية في وزارة العدل تقول (أنه ليس بالإمكان أن يكون الرئيس عرضة للاتهام والمحاكمة خلال فترة حكمه).
المؤشرات السابقة تبرهن على أن كل الرؤساء السابقين الذين تم عزلهم من قبل مجلس النواب عادوا ليكملوا بقية مدتهم بعد أن حصلوا على البراءة من قبل الكونجرس، إلا أن لا أحد يستطيع أن يؤكد بأن هذا سيحصل للرئيس ترمب، الذي من المؤكد أنه سيكمل مدة ولايته، لكن حظوظ إعادة انتخابه تخضع إلى ما إذا كان الشعب الأمريكي صوَّت له ووقف معه في أشرس معركة سيخوضها في ظل الجفوة التي بينه وبين الإعلام بمختلف وسائله.