Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أحمد عبدالرحمن العرفج

تعلَّموا من الدجاج.. كيف تفقس بيضة الزواج ؟!

الحبر الأصفر

A A
مَازَال البَشَر يَبحَثُون عَن إيجَادِ حَلٍّ للاحتبَاسِ الحَرَارِي، واختِلَال التَّوَازُن البِيئِي، لَكنَّهم رَفعُوا الرَّايَة البَيضَاء، حِينَ أَعلنُوا عَجزهم التَّام؛ عَن وَضع مَفهوم دَقيق للزَّوَاج النَّاجِح.. لِذَا يَجد هَذا المَقَال نَفسه فِي حِلٍّ مِن الفَلسَفَات المُتفَائِلَات والمُثبِّطَات.. فمَسأَلة الحُب فِي الزَّوَاج، والعِشق الذي يُحرِّك هَذا الحُب، مَسألةٌ عَجيبَة، إنَّها تُشبه الطِّفل الذي يَتعلَّق بلُعبةٍ، فإذَا امتَلكهَا زَهِدَ فِيهَا، وقَد انتَبَه إلَى ذَلك؛ أَحَد خُبرَاء العِشق، فقَال: (يُطَارِد الرَّجُل امرَأة يُحبّها، فإذَا تَزوَّجها تَشَاجَر مَعهَا وطَلَّقهَا)..!

فالزَّوَاج سَفرٌ فِي المَجهُول، وعيب بَعض المُتزوِّجين، أنَّهم يَستَسلِمُون للعَوَاطِف، ويَيأَسُون مِن حَلِّ أَوّل مُشكِلَة تُصَادفهم، ومَا عَلِمُوا أَنَّ رِحلة الزَّوَاج لَا تَحلُو؛ إلَّا لمَن صَبرَ ليَظفر.. حَقًّا إنَّها رِحلةٌ مَحفُوفةٌ بالمَتَاعِب فِي بِدَايَاتِهَا، ولَكنَّها لَذيذَة فِي أَوَاسِطهَا وأَواخِرهَا، وقَد استَشْعَر الأَديب الكَبير "توفيق الحكيم" هَذا المَعنَى، فقَال: (الزَّوَاج كالرِّوَايَة النَّاجِحَة، تَبكِي مِنهَا أوَّلاً، وتُصفِّق لَهَا فِي النِّهَايَة)..!

وقَد قَالوا قَديماً: إنَّ فَرحة الزَّوَاج سَاعَة، وأَحزَانه إلَى قِيَام السَّاعَة، وهَذا قَولٌ فِيهِ إجحَاف، ولَيس مُتَّفقاً عَليه عِند جَميع العُقلَاء، لأنَّ العَاقِل مِن الفَلَاسِفَة يَقول: (بِمَا أَنَّ الزَّوَاج عَقد، فلَابُدَّ لَه مِن حَلٍّ أَو حلُول)..!

أَكثَر مِن ذَلك، للمَرأة "الزَّوجَة" قُدرَة خَارِقَة عَلَى لِعب أَدْوَار، مِثل دور الضَّحيَّة، ودور المَظلُومَة، ودور المِسكينَة، ودور المَجنُونَة، وفِي كُلِّ هَذه الحَالَات، دمُوعهَا فِي جيبهَا، تَستَطيع أَنْ تُخرِجهَا مَتَى شَاءَت، وفِي أَي حَالة تُريد. لِذَلك يَقول المَثَل الفِرنسِي: (تَستَطيع الزَّوجَة أَنْ تَفعَل مَا تَفعَله الحَرب الضّرُوس، إنَّها تَصطَنع لكَي لَا تُخدَع)..!

وعِندَ مُتَابعة أَحوَال المُتزوِّجين، تَجد أَنَّ أَخلَاق الزّوج والزّوجَة؛ لَا تَظهَر عَلَى حَقيقتهَا؛ إلَّا وَقت النِّزَاع.. إنَّها مِثل الجَرَاثيم؛ التي لَا تَظهَر إلَّا عِندَمَا نُسلِّط عَليهَا الضّوء، أَو هي -بشَكلٍ مِن الأَشكَال- مِثل البخُور، الذي لَا تَظهر رَائِحته، إلَّا إذَا وَضعنَاه عَلى جَمرةِ النَّار.. وقَد انتَبَه إلَى هَذه النُّقطَة، الكَاتِب السَّاخِر "جورج برنارد شو"، حَيثُ قَال: (إذَا أَردتَ أَنْ تَعرف المُستوَى التَّربوي؛ للزّوج أَو الزّوجة، فلَاحِظ تَصرفَاتهما عِندَما يَتنَازَعَان فِي بَيتِ الزَّوجيَّة)..!

وقَد كُنتُ قَبل كِتَابة هَذا المَقال، أَعتَبر المُتحفِّظين عَلَى مَسأَلة "الشُّوفَة الشَّرعيَّة"، قَبل الزَّوَاج، رَجعيّين، و"يَبيعون سَمك فِي مُوية" -مِثل "الشِّريْطيَّة"-، لَكن التَمستُ لَهم العُذر، حِينَ أَدرَكتُ أَنَّ الحُكم عَلَى المَرأَة؛ لَا يَكون بالبَصَر، بَل بالبَصيرَة، وفِي ذَلك يَقول أَحَد الفَلَاسِفَة: (إذَا أَردَتَ أَنْ تَفهم حَقيقة المَرأَة، فانظُر إليهَا وأَنتَ مُغمض العَينين)..!

حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟!

بَقي القَول: تَذكَّرتُ اليَوم صَديقاً قَديماً؛ كَان يُغلِّف خَوفه مِن خَوض تَجربة الزَّوَاج؛ بفَلسفةٍ عَجيبَة لَا تَصدَأ، فحِينَ كَان عُمره فِي العِشرينيَّات سَألته: مَتَى ستَتزوَّج؟، فقَال: "حَلَاوته فِي الثَّلَاثين"، وحِينَ بَلَغَ الثَّلاثين مِن عُمرهِ، سَأَلته نَفس السُّؤال، فقَال: "حَلَاوته فِي الأَربعين".. ولَم أَسأَله مَرَّةً ثَالِثَة، لَيسَ فَقَط لأنَّ "الرِّجَال لَا يُغيّرون كَلَامهم" -كَمَا يَقول المَثَل الفَحْل-، بَل لأَنَّني قَرأتُ حِكمَة لأَحَد الفَلَاسِفَة يَقول فِيهَا: (الزَّوَاج يَأتي بدُون إنذَار، كَمَا تَقَع نُقطة مِن الحِبر الأَسوَد؛ عَلَى مَلابسِ الإنسَان)..!

وفِي النّهَاية أَقُول: يَا قَوم، تَعلَّموا مِن الدَّجَاج؛ كَيف تُحَافظون عَلَى استقرَار واستمرَار أَعشَاشكم الزَّوجيَّة، وتَحملُونَهَا إلَى شَوَاطئ الأَمَان..!!

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store