في المجتمعات البشرية المتحضرة، تُفتَح نوافذ إبداعية، ويُطلَق العنان للخيال، ويُدْعَم المفكرون والمخططون والمُحلِّقون في سماء الإبداع، والذين يُفكِّرون خارج الصندوق، وتُوفّر لهم البيئة الخصبة اللازمة لهم، وتحفيزهم بكل الوسائل المادية والمعنوية؛ ليستمروا في عطائهم، وتحقيق مزيد من المنجزات لمنظماتهم ومؤسساتهم التي يعملون بها.
عندما نتحدَّث عن التميز والإبداع والابتكار البشري، لا بد أن نتطرَّق لتحديد الأهداف بمنهجيةٍ عِلمية، وتفكير إيجابي، وأدوات معرفية مناسبة للوصول للغايات الكبرى، وتحقيق الخطط الاستراتيجية والتشغيلية بكفاءةٍ عالية وفق معايير جودة عالية.
معظم المنجزات العلمية والتقنية التي حققتها البشرية هي نتاج أفكار المبدعين والموهوبين؛ الذين وجدوا الرعاية والدعم المناسب، ولم تُكبَح جماح أفكارهم، ولم يعترض طريقهم المحبطين أو الحاسدين والحاقدين على مَن وُهِبَ من الله قُدرَة على الإنجاز المتميز، فالمجتمعات التي تُؤمن بقدرات أفرادها وتدعمهم دون تمييز أو محاباة لأحد، لأسباب شخصية، هي المجتمعات التي يُشَار لها بالبنان، والمؤسسات المتميزة والمنظمات المرموقة عالميًّا؛ هي التي تعتمد معايير واضحة لاختيار الكفاءات المهنية القيادية التي تدعم وتحفز دون إجحاف بحق أحد. الشخص المُبدع لا يُولد مبدعًا، ويستمر في إبداعه وعطائه، إن لم يكن مدعومًا نفسيًّا ومعنويًّا وماديًّا وعلميًّا.
المؤسسات الناجحة هي القادرة على التكيُّف بسرعة مع العوامل المحيطة المتغيِّرة، والقِيَم التي تحملها، وهذا التكيُّف يتطلَّب مهارات في تطبيق العملية الإبداعية في الإدارة. نحنُ بحاجة إلى برمجة النفس والفكر على الإبداع الذي يؤدي حتمًا إلى النجاح والتفوق والتميز، كما قال الله -جل وعلا- في محكم التنزيل: (إن الله لا يُغيِّر ما بقومٍ حتى يُغيِّروا ما بأنفسهم)، فالتغيير نابع من الداخل وليس من الخارج.
نحنُ بحاجة لتشكيل فرق عمل إبداعية في كل مؤسسة وقطاع حكومي أو خاص؛ لتحفيز الفكر الإبداعي لدى جيل الشباب، مع وجود عناصر من الخبرات والكفاءات وأصحاب العلم المتخصص. لدينا طاقات بشرية كبيرة نحتاج لاستثمارها بالشكل الصحيح، وما زلتُ أُنادي بدور التعليم في تبنِّي هذا المشروع الوطني، من خلال أروقة مدارسنا وجامعاتنا وأندية الحي؛ ليكون لدينا معامل وطنية للفكر الإبداعي والابتكاري، ومن خلال دور مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني، الذي يحمل على عاتقه تنفيذ برامج نوعية للشباب والفتيات من خلال برنامجي «تمكين» و»بيادر»، لصناعة المبادرات الوطنية. ومخرجات هذه البرامج مُوثَّقة وتدعو للفخر والاعتزاز بشباب وفتيات الوطن، الذين يعملون جاهدين ليكون لهم دورهم الفاعل في تحقيق الرؤية الوطنية الطموحة؛ لنعمل معًا بروح الفريق الواحد، ونُسلِّط الضوء على كل مبدع ومبتكر، وصاحب مشروع وطني؛ لنحتفي به ومعه، فالإنسان يبقى أسيرًا للكلمة الطيبة والمحفزة، والتقدير من حاجات النفس البشرية التي أودعها الله -جل وعلا- في كل واحد منَّا، فما أجمل أن نُسمع الآخرين كلمات الشكر والثناء، وذلك حق لكل مَن بذل من وقتهِ وجهدهِ، ليُعبِّر عن حبّه وولائه وانتمائه للزمان والمكان وأقدس ثرى.