إن التطور الهائل للعلم والمعرفة وطرق اكتسابهما خلال القرنين الماضيين على أقل تقدير وما نعاصره في عصرنا هذا من تحديات معيشية وظروف ومتطلبات كسب الرزق من وظيفة ومهنة ونمط حياة يحتم علينا دراسة تخصص معين من العلوم أو الآداب أو الفنون وإمضاء خمس أو أربع سنوات لإتمام أقل شهادة فيه وكلما علت الشهادة زاد التركيز وضاق الأفق سواء في الماجستير أو الدكتوراه التي غالبا يكون مجالها موضوعاً معيناً في تخصص ما. ولكن يخفى على كثير منا أن هذا المنهج المعرفي بشكل عام قد يحد من النظرة الشمولية للحياة والمعرفة على مدى السنين.
لقد أصبحت النظرية التخصصية منهاجاً ليس في العملية التعليمية فحسب بل وللأسف الشديد تكاد تطغى على حياتنا من مرحلة الشباب إلى الشيخوخة وقد يخسر الكثير منا فرصاً عديدة لاكتساب خبرات علمية وعملية في مجالات كثيرة جداً بداعي أنها ليست من تخصصه! متناسين طول هذه الفترة كل اهتماماتنا وشغفنا بالعلوم والفنون الأخرى التي في بعض الأحيان قد تتداخل مع أكثر من تخصص لتشكل لوحة تعبر عن الجمال الكوني المعرفي الذي خلقه الله كاملاً وشاملاً.
مما لا شك فيه أن التطور الحضاري والتكامل المعرفي لأي مجتمع وحضارة يُبنى على أساس قوي من النظرة التخصصية للأفراد والشمولية كمجتمع ولكن هذا لا يتناقض بوجهة نظري أن يكون هنالك حلقة وصل وشمولية فردية في المنهج العلمي والمعرفي فعلى العكس تماماً ستفتح الآفاق وتوسع المدارك للفرد نفسه وأيضا سيكون هنالك البيئة المناسبة لهذا التكامل الذي سيسهم لإظهار الصورة من جوانب متعددة للعالم أو المتعلم على حد سواء وهنا يكمن الإبداع والابتكار.
إن القارئ في تاريخ العرب والمسلمين ونهضة حضارتهم المعرفية إبان القرون الوسطى يجد العديد من العلماء الذين سطروا أسماءهم وإسهاماتهم العلمية وحققوا إنجازات في تخصصات عديدة نلمس آثارها إلى يومنا هذا. ولكن يخفى على كثير منا أن معظم هؤلاء العلماء برعوا وتخصصوا بأكثر من مجال ومنهم من ربط عدة مجالات ونجح في إيجاد تكامل فيما بينها، فمثلاً العالم الكبير الحسن ابن الهيثم الذي اشتهر بعلم البصريات كان بالإضافة إلى ذلك عالم فلك وهندسة ورياضيات وميكانيكا وفلسفة.