أُشيـر هنا إلى تقرير وطني أمريكي حديث أجراه موقع ميدسكيب الطبي (يناير 2019)، يُظهر نتائج وُصفت بالخطيرة والمُزعجة، تتضمن آراء أكثر من (15 ألف) طبيب ينتمون إلى (29) تخصصاً مُختلفاً، حول إصابتهم بأعراض الاكتئاب، والاحتراق الوظيفي، والأفكار الانتحارية، وطُرق تعاملهم مع تلك الـمُشكلات.
ومن النتائج المنشورة: اعتراف (44%) من الأطباء بمعاناتهم من أعراض الاحتراق الوظيفي (فرط الإرهاق والتوتّر والإعياء واضطراب النوم، والتشاؤم وعدم الشعور بالتقدير أو الإنجاز)، ومعاناة نحو (11%) من أعراض الاكتئاب المزمن.
وقد تضمّنت أعلى نسب الإجابات حول أسباب احتراقهم الوظيفي، الأعمال الروتينية والبيروقراطية العقيمة والأعمال الورقية (59%)، وطول ساعات العمل (34%)، والانشغال المُفرِط وغير المبرّر بالسجلات الصحية الإليكترونية والتقارير (32%) بعيداً عن الرعاية المباشرة للمريض مما أفقد الطبيب مُتعته المهنية، إضافةً إلى قلة الاحترام وسوء التقدير من الإدارات الطبية (30%).
وأظهر التقرير أن اعتماد ساعات عمل طويلة، ارتبط بشكل وثيق بارتفاع نسبة أعراض الاحتراق الوظيفي، كما جاء أطباء الجراحة العامة، في مقدّمة الأطباء الذين يعملون ساعاتٍ طويلة (أكثر من 51 ساعة أسبوعياً).
وبالنتيجة، اعترف نحو (40%) من الأطباء بتأثير ذلك كله على طبيعة عملهم، وتسببه في قلة اهتمامهم وتشتت انتباههم، إضافة إلى التعبير عن غيظهم وإحباطهم أمام المرضى والزُّملاء، وأحياناً الوقوع في أخطاء طبية. كما أظهر التقرير نتائج خطيرة تتضمن تفكير بعض الأطباء (14%) في الانتحار !! كنتيجةٍ مباشرة للإحباط والاكتئاب والاحتراق الوظيفي.
وبالرّغم من ذلك كلّه، فإن (64%) من الأطباء المُصابيـن باضطرابات نفسية واحتـراق وظيفي، لا يُفكرون في طلب أي مساعدةٍ من متخصصيـن لعلاج أعراضهم، لأسباب منها: فرط الانشغال، والخوف أو الحرج من التحدّث عنها، والظن بإمكانية التعامل معها بشكلٍ شخصي، لكن كثيراً منهم رأوْا أن تقليص عدد ساعات العمل الوظيفي وتكرّر الإجازات القصيرة من العمل، مفيدٌ لهم لمحاولة التغلب على المُشكلات الآنفة.
من الضروري التنبّه لمثل هذه المشكلات لدى الأطباء السّعوديين، وقيام المؤسسات المهنية الرسمية الطبية بواجبها في إجراء دراساتٍ استقصائية حول مدى انتشارها في المجتمع الطبي السعودي بجميع تخصّصاته وفروعه، في خطوة أساسية لكشف ما خفي من تلك الاضطرابات، ووضع بعض الحلول والإجراءات لمشكلات مهْنية وإدارية مُزمنة لا مُبرر لمعاناة الممارسيـن الصحييـن منها.