صار عندنا سينما في جدة...
أخيراً فعلتها جدة.. وقد كانت أول جدة من يفعل الأفاعيل في دروب التنوير..!!
قبل أسابيع كنت في دبي، وحجزت تذكرة لعرض في نهاية الأسبوع لأشاهد فيلماً أنتظره منذ فترة، ذلك هو فيلم (الكتاب الأخضر Green Book)، للمخرج المميز بيتر فيرللي، الذي أخرج أعمالاً كوميدية شهيرة من مثل (الغبي والأغبى Dumb & Dumber)، و(هناك شيء حول ماري There’s Somthing about Mary).
لم تتح لي الفرصة لأشاهد الفيلم حينها.. اضطررت لمغادرة دبي قبل أن أشاهده... لكن الفرصة حانت بعدها بأسبوعين تقريباً، في دبي أيضاً، حين اشتريت تذكرة (أخرى) لمشاهدة الفيلم. وكان (الكتاب الأخضر) يستحق أن تدفع له مرتين كي تشاهده، وتقرأه... وتقف فيمحطاته.
تدور قصة الفيلم حول علاقة غريبة تنشأ بين سائق إيطالي الأصل يدعى توني ليب (يقوم بدوره الممثل فيقو مورتنسن)، وموسيقي موهوب من أصول أفريقية يسمى دكتور شيرلي (ويقوم بالدور الفنان الشهير مهارشلا علي). تدفع الظروف الاقتصادية السائق الإيطالي لقبول مهمة السائق، رغم الضغوط الاجتماعية والعائلية التي تنظر للملوَّنين نظرة عنصرية. (يعود توني ليب لمنزله صباح يوم ليجد رجال العائلة مزدحمين في بيته، ويكتشف أن وجودهم لحماية زوجته، التي أحضرت عاملين أسودين لإصلاح مشكلة سباكة في بيتها).
وتبدأ القصة فعلياً حين ينطلق السائق الإيطالي ورئيسه الأسود في رحلة عمل موسيقية يقدم فيها د. شيرلي عروضاً موسيقية على البيانو في عمق مدن الجنوب الأمريكي التي كانت تفيض عنصرية في الستينيات الميلادية. وقبل أن تبدأ الرحلة يستلم السائق ليب (كتابًا أخضر صغيرًا) يضم الأماكن التي يسمح للسود بدخولها والمكوث فيها (فنادق، مطاعم، مقاهٍ...). يأخذ الموسيقي هذه الرحلة بمثابة تحدٍ شخصي ليكسر ما يستطيع من حواجز يضعها الإنسان لنفسه، أو قيود يكبل بها حريته. ورغم أنه يُستقبل استقبالاً باهراً في كل الأماكن التي سيؤدي فيها، وأن عوائل الطبقة الأرستقراطية يستضيفونه للعرض في منازلهم وقصورهم إلا أنه يتعرض لمواقف في غاية الإهانة (لا يسمح له باستخدام دورات مياه المنزل، أو مطعم الفندق الرئيس، وبدل أن تخصص له غرفة الضيف الرئيسة في المسرح يوضع في مخزن خلفي مهترئ حتى بداية العرض...).
تقدم الحكاية في قالب كوميدي ساخر لا يستطيع الإنسان معه التوقف عن الضحك إلا بوابل من الدموع، دموع الألم بالطبع..!! وتقول العلاقة التي تتطور بين السائق والموسيقي العبقري كل شيء عن قصة الإنسان مع أخيه الإنسان...
ينتهي الفيلم.. لكن العلاقة بينهما لا تنتهي.. حتى بموتهما.. فقد أصبحا صديقين ملهمين للأجيال بعدهما... وبالمناسبة فقصة الفيلم حقيقية، وقد حاز على عدد من الجوائز العالمية.. كما أن قصة سفري، بل سفرنا -نحن السعوديين- لكي نشاهد السينما، ونشتري كتب غازي القصيبي، ونحضر حفلات طلال ومحمد عبده حقيقية أيضاً... رغم أني لست متأكداً إن كانت قصة شتاتنا هذه يمكن أن تفوز بأية جائزة... غير جائزة «الحرمان التاريخي» ربما..!!