في كتابه «الأدب العربي في مدونات المستعربين» يقول الدكتور عاصم حمدان: لقد تنبه المفكر الغربي أرنولد توينبي قبل ما يقرب من ستين عامًا في محاضرة له بعنوان «الإسلام والغرب والمستقبل» إلى مظاهر الخطر في الحضارة الغربية المعاصرة وركز على عاملين أساسيين من هذه العوامل التي غفل عنها المنظرون لهذه الحضارة العالمية، ويؤكد هذا المفكر الغربي أن الحضارة الغربية أوجدت ملاءمة اقتصادية وسياسية في المناطق الاستوائية التي بلغتها المفاهيم الحضارية العربية آنذاك، وذهب توينبي إلى أبعد في التنبؤ منذ نصف قرن من الزمن بأن دور الإسلام سوف يكون فعالاً في مواجهة قصور الحضارة الغربية وعدم قدرتها على بث الطمأنينة والسكينة في نفوس أفراد المجتمعات التي اتخذوها سبيلاً ومنهجًا في حياتهم.
كتاب الأدب العربي في مدونات المستعربين للأديب الأستاذ الدكتور عاصم حمدان يعتبر الجزء الثاني، وقد تحدث عن الصلات العلمية والفكرية والأدبية بين اللغتين العربية والإنجليزية، وعن جهود خدمة التراث العربي للمستشرق الألماني فستنفلد وهي جهود مأثورة في خدمة التراث العربي وخصوصاً الدراسات التاريخية المتصلة بمكة المكرمة والمدينة المنورة، فلقد نشر سفرًا مهمًا عن الكتابة التاريخية عند المسلمين ونعته باسم (مؤرخو العرب ومؤلفاتهم) واحتوت فهرسة المستشرق فستنفلد على ذكر لمؤرخ السيرة محمد بن إسحاق، وفي ما يتصل بتاريخ المدينة المنورة فقد اشتغل عليها فستنفلد في كتاب السمهودي (أي الوفاء) وكتاب آخر يحمل اسم أراضي المدينة المنورة.
وعن الصحافة الغربية والصورة المشوهة عن العربي يذكر الكتاب أن الجمعيات اليهودية والصهيونية في الغرب جاهزة دومًا لإثارة الضجة حول كل ما يتصل باليهود وهذا يعتبرونه من حقهم توضيحًا أو دفاعًا وهم من أكثر أمم الأرض تمسكًا بتراثهم حيثما حلوا بينما لا يمكن لأحد أن يشير إليهم بأصابع الاتهام بأنهم أصوليون أو متشددون. ويتحدث الكاتب عن أسلوب كتابة المذكرات من قبل شخصيات مشهورة احتلت منزلة رفيعة في المجتمعات الغربية حيث يسجل فيها رواتها أدق تفاصيل حياتهم اليومية وفي مقدمتهم الأديب والمؤرخ بيرتون والذي يعتبر كتابه (الرحلة إلى مكة والمدينة) من أهم وأروع ما كتبه عن الديار المقدسة.
حقيقة كتاب الأدب العربي يأخذك عبر منصات التراث العربي والغربي وتلك المقارنة التي أبداها المؤلف بصورة ناصعة، إضافة إلى حديثه الآسر عن جهود المستشرقين والنموذج للتعايش بين الثقافتين وبواعث هجرة التراث العربي المخطوط وأدبيات الاختلاف الفكري بين الشرق والغرب.
ذلكم الكتاب يستحق التوقف عنده وسبر أغوار أطروحاته الفكرية من قبل الباحثين والدارسين.