يَعرفُ عَنِّي بَعض أَصدقَائي المُقرَّبين؛ بأنَّني شَديدُ الحيَاء والخَجَل، وأَحيَاناً يُضرَب بِي المَثَل فِي الحيَاء، فيُقال أَشَدُّ حَياءً مِن العَرفج.. أَمزَح طَبعاً، ولَكن لَاحظتُ أَنَّ أَكثَر الأمُور عِندنَا؛ تُؤخَذ وتُنَال بسَيفِ الحيَاء، أَي باستغلَال خَجَل النَّاس وحيَائهم..!
بَعد استغلَال الحَيَاء، بَدأتُ أُنبِّش فِي التُّرَاث وكتُب الفِقه، لَعلِّي أَجد دَليلاً يُجرِّم مَن يَستَغلون الحَيَاء، ومَن يَنتَهزون فَضيلة الخَجَل عِندَ الآخَرين، لكَي يَأخذوا مَا لَا يَستحقونه؛ مِن الحقُوق والأَموَال..!
لَم تُخيِّب كُتب الفِقه ظنِّي، فقَد وَجدتُ فِي تُراثِنَا الفِقهي؛ القَول المَأثور: (مَا أُخِذَ بسَيفِ الحيَاء فهو حَرَام)، وهو قَولٌ مَأثور، وَصفَه أَحَد العُلمَاء فقَال: «هَذا كَلَامٌ رَائِعُ المَعنَى، شَديدُ التَّهذيب، وهي مُطَابقته لِمَا رُوي عَنْ «حنِيفة الرَّقاشي» -رَضِيَ الله عَنْهُ-، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ». أَخرَجه البَيهقي فِى شُعِب الإيمَان، وأَخرَجه أَيضًا: فِي السُّنَن الكُبرَى، وصَحّحه الأَلبَاني..!
أَكثَر مِن ذَلك، قَال الشَّيخ «عبدالمحسن الزامل»؛ فِي «شَرح بلُوغ المرَام»: (ولهَذا لَو أَنَّكَ أَخذَت مَاله؛ عَلَى سَبيل الإحرَاج لَه، فلَا يَجوز لَك، وإنْ كَان فِي الظَّاهر أَنَّه رَاضٍ، مِثل أَنْ تُحرجه أَمَام النَّاس، بأَنْ يُعطِيك شَيئاً مِن المَال، أَو شَيئاً مِن المَتَاع، ويَرضَى، نَتيجة الحَرج أَو الخَجَل، فهَذا لَا يَحلُّ لَك فِي البَاطِن، فِيمَا بَينك وبَين الله، ويَجب عَليكَ أَنْ تَردّه، ولَا يَكون تَسليمه هَذا المَال؛ نَتيجة خَجله أَو حَيَائه مِنك، مُجيزَا لَك بذَلِك)..!
كَمَا أَنَّ «ابن حجر الهيتمي»؛ قَال فِي الفَتَاوَى الكُبرَى: (أَلَا تَرَى إلَى حكَاية الإجمَاع؛ عَلَى أَنَّ مَن أُخِذَ مِنه شَيء عَلَى سَبيل الحَيَاء؛ مِن غَير رِضاً مِنه بذَلك، أَنَّه لَا يَملكه الآخِذ، وعَلَّلوه بأنَّ فِيهِ إكرَاهاً بسَيفِ الحَيَاء، فهو كالإكرَاه بالسّيف الحسِّي، بَل كَثيرون يُقابِلُون هَذَا السّيف، ويَتحمَّلون مَرَار جَرحه، ولَا يُقابِلُون الأوَّل؛ خَوفاً عَلى مرُوءتهم ووجَاهتهم؛ التي يُؤثرهَا العُقلَاء، ويَخافون عَليهَا أَتمّ الخَوف)..!
حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟!
بَقي القَول: يَا قَوم، لقَد أَخذتُم مِنِّي أَشيَاءً كَثيرَة بسَيفِ الحَيَاء، وتَحت تَهديد الخَجَل، لِذَلك أَسأَلكم بالله وأَرجُوكم، أَنْ تَردّوا كُلّ مَا أَخذتمُوه، واعلَمُوا أَنَّ مَا أُخِذَ بسَيفِ الحَيَاء؛ فهو مَنزوع البَركَة، وعَاقبته الشَّقَاء والبَلَاء..!!