هُنَاك مَن يَبكِي، وهُنَاك مَن يَتبَاكَى. وهُنَاك مَن يَعلَم، وهُنَاك مَن يَتعَالَم. وبَينَنَا مَن هو مُتوَاضِع، ومَن يَدَّعي التَّواضُع، ودَعوني أَتوقَّف هُنَا وأَتَحدَّث؛ عَن الفَرق بَين التَّواضُع، ومَن يَدَّعي التَّواضُع..!
إنَّني هُنَا لَا أُسمِّي الأَشخَاص؛ الذين يَدَّعون التَّواضُع، ولَكن سأُعطي بَعض الصِّفَات؛ التي يُمَارسهَا بَعض مُدَّعي التَّوَاضُع، فمَثلاً إذَا وَجدتَ وَزيراً أَو مَسؤُولاً كَبيراً؛ يَقف فِي طَابور عِند الحَلاّق أَو عِند الخَبّاز، فاعلَم أَنَّه يَدَّعي التَّواضُع، أَو بلُغة عِلم النَّفس، هو يُمَارس غرُوراً عَكسيًّا، ظَاهره التَّواضُع، وبَاطنه تَضخُّم الذَّات، ولَفت الأَنظَار إليهَا..!
أَكثَر مِن ذَلك، أُدْعَى إلَى كَثيرٍ مِن الوَلَائم، وحِينَ يَقول صَاحِب الدَّعوَة: «تَفضَّلوا»، فإنَّه يُتبعها بجُملَةٍ أُخرَى وهي: «اعذرُونَا عَلَى التَّقصير، فلَيس هَذا مَقَامكم»، وقَد دَاعبتُ أَحدهم حِينَ قَال لِي هَذه العِبَارَة، فقُلت: «إذَا كَان هَذا لَيس مِن مَقَامي، فلِمَاذَا تُقدِّمه لِي»..!
قَبل سَنَة كَتبتُ #نَاصية عَلى النَّحو التَّالي: (أَصبَح النَّاس الآن؛ يَعرفون فنُون «التَّواضُع الكَاذِب» أَو «الغرُور العَكسِي»، حِينَ يُحَاول البَعض أَنْ يَقول: «مِن وِجهة نَظري البَسيطَة»، أَو «فِي رَأيي المُتوَاضع»، أَو «لَستُ أَهلاً لأتحدَّث أَمَامكم»، أَو «فُلان ورّطني حِينَ طَلب مِنِّي الكَلِمَة»، أَو «مَن أَنَا، حَتَّى أَتحدَّث فِي هَذا الحَشْد مِن العُلمَاء»..!
كُلُّ هَذه الأَسَاليب أَصبَحت مَكشُوفَة، وتَدلُّ عَلَى التَّواضُع الكَاذِب، وتُؤدِّي إلَى الغرُور العَكسِي)..!
حَسنًا.. مَاذَا بَقي؟!
بَقي القَول: إنَّني أُحَاول مُمَارسة الاعتدَال مَع نَفسي، بحَيثُ لَا أَظلمها؛ ولَا أُعطيهَا أَكثَر مِمَّا تَستَحق، مِن خِلال الصَّرَاحَة والدِّقَة، فإذَا بَذلتُ فِي أَي كِتَاب جُهداً كَبيراً؛ ذَكرتُ ذَلك، وإذَا استَقيتُ الفِكرَة مِن شَخص، ذَكرتُ ذَلك الشَّخص، أَمَّا وجهة نَظري التي أَذكرهَا فِي أَي مَجلس، فهي لَيست مُتوَاضعة، لأنَّها لَو كَانت كَذلك؛ فلَن أَذكرهَا..!!