يستمر معرض الرياض الدولي للكتاب -الذي يُغلق أبوابه بعد يوم غد السبت- في رسالته السنوية التي يُقدِّمها للعالم أجمع باسم الثقافة الجادة التي يقودها الكتابُ؛ مصدرُ المعرفة الأول في تاريخ البشرية. أقول هذا بعد أن أضحى المعرض الذي تُشرف على تنظيمه وزارة الإعلام تقليداً ثقافياً وموعداً سنوياً، حيث يُعدّ من أكبر الفعاليات الثقافية في المملكة، والأكثر مبيعاً من بين المعارض العربية، ما جعل الأستاذ عبدالله الكناني المشرف على وكالة الوزارة للشؤون الثقافية بوزارة الإعلام يدعوه بـ(أيقونة) المعارض الدولية للكتاب في المنطقة، والوجهة المُفضَّلة للناشرين والقراء. وللحق فإن لمسات الكناني وفريق عمله من شباب وشابات المملكة واضحة على المعرض من حيث مستوى التنظيم والمتابعة، وتنوُّع البرامج الثقافية المصاحبة، حتى يشعر الدالف إلى المعرض بأنه ينتظم فيما يُشبه خلية نحل ثقافية مبهجة.
لفت نظري في كلمة الكناني التي ألقاها خلال المؤتمر الصحفي ليلة افتتاح المعرض إشارته إلى جناحيْ المعرض، وذلك خلال حديثه عن تمثيل وزارة الإعلام في المعرض من جانبين: (الإعلامي والثقافي). فالمعرض حدث ثقافي مركزي يُمثِّل قِيَم الثقافة الجادة، عصبه الرئيس الذي يجذب الناس إليه من كل مكان، من هنا نرى الاهتمام الدقيق بتفاصيل التنظيم، والعدد الكبير والمتنوع لدور النشر المشاركة من دول مختلفة، والعدد الهائل للكتب والمطبوعات، ومنصات التوقيع، وحزمة البرامج الثقافية، والندوات والأمسيات الشعرية (التي أشارك في إحداها الليلة)، بالإضافة إلى جوائز الوزارة للكتاب في حقولها الخمسة.
أعلم أن هناك بعض الملاحظات على توزيع دور النشر، أو على أسعار الكتب المبالغ فيها أحياناً، أو اكتظاظ الفعاليات وعدم قدرة الناس على مواكبتها، وهذا أمر طبيعي وصحي، لكن المعرض أيضاً يمثل فرصة سانحة لتقديم رسالة إعلامية للعالم أجمع، عمَّا يمكن لوطننا وأبنائه أن يُقدِّموه؛ ففي حرص الناس كباراً وصغاراً على الحضور (المليونيِّ عادة) رسالة مهمة أن الثقافة الأصيلة الجادة والمواكبة للعصر تبقى وتُؤثِّر، وأن المجتمع السعودي مجتمع منفتح، نهمٌ للمعرفة، شغوف بالتطور.
إذا كانت رسالة المعرض هي «إيجاد بيئة محفزة تُشجِّع على القراءة وصناعة الكتاب ونشره للمساهمة في بناء الاقتصاد المعرفي الوطني»، فأنا أعتقد أن معرض الرياض قد حقَّقها، بإعلانه بوضوح أن المكان يتسع للجميع، وأن النشر والقراءة والحوار هي الطرق الصحية لدفع عجلة التنمية وبناء المجتمع، ومواجهة تحدِّيات العصر، وأن لا مكان لثقافة الإقصاء، والمنع، والتجييش، ومصادرة الآراء ومحاولة فرض الرأي الواحد، أو رفض الآخر مهما كان وأينما كان.