بيّنتُ في الحلقة الماضية كيف أنّ مُعدّي مناهجنا الدينية الدراسية يميلون إلى التضييق على المرأة، ففي درس «أحكام اللباس والزينة» لمادة الفقه لثالث متوسط، أوجبوا على المرأة تغطية وجهها دون نقاش، بينما نجد معدّي درس «الحجاب» في مادة الثقافة الإسلامية للمرحلة الثانوية أوجبوا على المرأة تغطية وجهها، وذكروا وجود خلاف حول وجوب تغطية الوجه وكشفه، ولكنهم اكتفوا بذكر أدلة القائلين بوجوب تغطيته رغم تناقض هذا مع جاء في القرآن الكريم والسنة الصحيحة؛ الأمر الذي فات على معدّي المنهجيْن أنّ إحرام المرأة في وجهها وكفيها، وإن غطّت وجهها، أو لبست النقاب والقفّازين وهي مُحرمة بطل إحرامها، كما لا تصح صلاة المرأة وهي مغطية لوجهها، أو منتقبة، فإن كان وجهها وكفَّاها عورة، كيف عليها كشفهما وهي تؤدي الركن الأول والخامس من أركان الإسلام؟!
كما أنّه لا يوجد دليل واحد في القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة يُوجب على المرأة تغطية وجهها. قال تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ).. هاتان الآيتان أكبر دليل على إباحة كشف المرأة لوجهها؛ إذ أمر المؤمنين بغض البصر عن النساء، فلو كانت تغطية الوجه واجبة لما جاء الأمر للرجال بغض أبصارهم، وقوله تعالى: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) أي الوجه والكفيْن، كما فسّرها ابن عبَّاس رضي الله عنه، ويؤكد على هذا ما جاء بعدها: (وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ) أي على صدورهن، لم يقل على وجوههن، ومعروف الخمار في اللغة هو غطاء الرأس كما درستُ أنا في مناهجنا الدراسية، ولكن معدّي مناهجنا الدينية جعلوه غطاء الوجه ليُوجبوا تغطية الوجه، بينما نجد الطبري قال في تفسيرها، يقول تعالى ذكره: (وليلقين خُمُرهنّ، وهي جمع خمار، على جيوبهنّ، ليسترن بذلك شعورهنّ وأعناقهن وقُرْطَهُنَّ، ولم يقل وجوههن، وقد ذكر ابن قدامة الحنبلي في كتابه «المُغني»: لأنّ الحاجة تدعو إلى كشف الوجه للبيع والشراء والكفين للأخذ والإعطاء)، وهناك أحاديث تُبيّن أنّ الصحابيات الجليلات كن يكشفن وجوههن، أمّا أمهات المؤمنين اللاتي نزلت فيهن آية (وَإذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) أي ساتر، وهناك أحاديث أخرى مثل حديث جابر في وعظه صلى الله عليه وسلم النساء يوم العيد، وفيه وصف جابر للمرأة بأنَّها سعفاء الخديْن، أي فيهما تغيُّر وسواد، فكيف عرف أنَّها سعفاء الخدين، ولو لم تكن كاشفة لوجهها؟
وحديث ابن عباس عن أخيه الفضل في قصة الخثعمية الحسناء، ونظره إليها مكررًا، وإعجابه بحسنها، وتخريجه من رواية الشيخين، وغيرهما عنه، وذكر شاهد له من حديث علي، وفيه أنَّ القصة وقعت بعد رمي الجمرة، أي بعد تحللها من الإحرام، وبيان ابن حزم، وابن بطَّال وجه دلالة الحديث على أنَّ الوجه ليس بعورة، وتأييد ابن بطَّال قوله بجواز النظر إلى وجه المرأة إذا أمنت الفتنة بإدمان الفضل النظر إلى وجهها.. إلى غير ذلك من الفوائد، مثل ذكر الإجماع على أنَّ للمرأة أن تبدي وجهها في الصلاة، ولو رآه الغرباء. (محمد ناصر الألباني: جلباب المرأة المسلمة في الكتاب والسنة، ص 225).
وحديث المرأة الحسناء التي كانت تُصلِّي، وحلف ابن عباس أنَّه ما رأى مثلها قط، وتقدم بعض الصحابة إلى الصف الأول لئلا يراها، وقصة من خالفهم.. وغير ذلك من الأحاديث.
هذه بعض أدلة جواز كشف المرأة لوجهها من القرآن الكريم والسنة الصحيحة، فكيف تجاهلها معدّو المنهجيْن، وصادروها جميعها بتقريرهم المرأة كلها عورة للرجال الأجانب؟.
ولو كان هذا ما قرروه باعتبار رأيهم الشخصي، فهم أحرار في ذلك، لكن يُقرِّرون في منهجيْن دراسيَّيْن يُدرَّسان لأولادنا وبناتنا أنّ المرأة كلها عورة للرجال الأجانب، وينسبون هذا إلى الإسلام، فهذا يحتاج إلى توقُّف وإعادة نظر.
للحديث صلة.