بعد انتشار خبر مأساة استشهاد (53) مسلماً وإصابة العشرات في الحادث الإجرامي في مسجد في نيوزيلندا عادت بي الذّاكرة إلى قصة كنتُ قرأتها في كتاب للمستشرق (ستانلي) عن الأندلس القصة مفادها: أنّه ظهر في الأندلس وقت الحكم الإسلامي للأندلس بعض المسيحيين المتعصّبين الانتحاريين، يقول ستانلي معلّقاً: (كان من المحزن حقّاً أن ترى رجالاً يقذفون بأرواحهم وأرواح غيرهم في سبيل حلمٍ كاذب).
إنّ نظرة سريعة إلى التاريخ تعلّمنا أنّ التعصب كان ولم يزل موجوداً عند كثيرٍ من أصحاب الديانات والمذاهب وأنّه يأخذ ألواناً متعدّدة من أقساها: الإقدام على قتل الأبرياء والأطفال بشهية مفتوحة لرؤية الدّماء وبلا تحرّج من ارتكاب أقسى الفظائع مع الاستعداد للتضحية بالنفس في سبيل ذلك. إنهم يُقدمون على أبشع صور القتل نصرةً لمعتقداتهم وذلك قاسمٌ مشترك بين المتعصّبين من كل ملّة.. وفي عصر العولمة سهّلت بعض أنواع الإعلام البيئة الخصبة لنشر أفكار المتعصبين وأعطتهم الفرص لجمع الأتباع ونشر الأفكار المتطرفة كلّ ذلك على حساب مبادئ الرحمة والتعايش السلمي، وسيكون لهذا أثر بالغ الضرر على الإنسانية إن لم يتمّ تدارك ذلك، ولن يكون أحد في مأمن فالجميع في النهاية سيخسر.
لقد بات العالم مذهولاً من حوادث القتل المروعة كمثل هذا الحادث الإرهابي الذي قُتل فيه مسلمون آمنون ليسوا بمحاربين ولا في أرض حرب بل في أرض سْلْمٍ وأمان على يدِي إرهابي متطرّف. نعم لقد كان من المطمئن اتفاق كلمة عقلاء العالم على إنكار هذا وشجبه ولكن هذا ليس كافياً لكبح جماح المتعصبين، وهذا الحدث المروّع سلّط الأضواء على قاسمٍ آخر من القواسم المشتركة بين الإرهابيين فكل منهم يجترّ التاريخ ويستشهد به من منصته، ومن الأهداف المشتركة لهم إيجاد مبررات لإقناع أتباعهم، والواقع يقول إنهم يكسبون مزيداً من الأتباع على حساب مبادئ الحضارة الإنسانية والسلم العالمي. والعالم إن لم يتّحد ضدّ مظاهر التطرّف والإرهاب بكافة أشكاله سيقع فريسة للإرهاب، والكيل بمكيالين سيؤدي حتماً لتفاقم المخاطر وسيعطي المبررات للمتطرفين فلا يُقبل أن يحارب العالم الإرهاب بناء على انتماء ديني بل ينبغي أن يحاربه وفق اتفاقيات ومبادئ إنسانية مشتركة، وليكن هذا من باب المعاهدات التي يجب على الجميع الوفاء بها وهي ملزمة للجميع أو ليكن من باب تحقيق المصالح المشتركة.
عبدالله علي الميموني
جامعة طيبة