* في سنوات خَلَتْ وعندما يأتي الحديث عن» الفَسادَ المالي والإداري وهواميره»، كان المجتمع السعودي مقتنعاً بأنَّ لذلك سَقفاً مُـعيناً، وبأن هناك خطوطاً حمراء لايمكن تجاوزها بالنسبة للشخصيات التي يمكن أن تَمْتد لها أصابع الاتهامات، ومن بعدها التحقيقات!
* ولكن جاء عهد (سلمان الحزم، وولي عهده الأمين محمد المجد) لِينسف تلك القناعات السلبية، وليفتح صفحة جديدة في إدارة ملف الفساد، وكان السبت 4 نوفمبر 2017م تحديداً يوماً فاصلاً في محاربة ذاك الداء الذي كان ينخر في مفاصل المؤسسات الخدمية في الدولة.
* ففي مساء ذلك اليوم تحولت عبارة (كائناً مَــن كان) التي كنّا نعتقد بأن تطبيقها في ملاحقة المفسدين حُلماً مستحيل المنال إلى واقع ملموس ومحسوس؛ إذ تمّ الإعلان صراحة عـن توقيف طائفة من «الأمراء والوزراء وكبار الشخصيات القيادية» بِتهَمٍ تنوعت بين الاستيلاء على المال العام، والتّكَسّب غير المشروع عن طريق دفع الرشاوى، وغسيل الأموال، وكذا التلاعب بمناقصات المشروعات الحكومية؛ وكانت تلك الخطوات والإجراءات قد جاءت على خلفية معطيات ومعلومات توصلت إليها جهات الرقابة والتحقيق.
* ومن يومها توقعتُ بأن المؤسسات المسئولة عن مراقبة المال العام قد التقطت الضوء الأخضر من (قيادتنا الحازمة) في قيامها بواجباتها بحرية وشفافية، وطبعاً بإنصاف وعدالة، وعلى رأس تلك المؤسسات المتخصصة (الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة») التي مضى على تأسيسها أكثر من ثماني سنوات.
* ولكن للأسف الشديد بقيت (العزيزة نزاهة) بعيدة تماماً عن أدوارها التنفيذية في ملاحقة الفساد؛ فما زالت تمارس أدوار غيرها التنظيرية، فتارة تلبسُ رداء الواعِـظ منافسةً لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وأحياناً تُزاحم الجامعات ومراكز البحث بتنظيمها ومطاردتها للمؤتمرات والندوات والدراسات، وعَقْد الاتفاقات والشراكات.
* ومن آخر عجائبها في هذا الميدان إعلانها أنها تحارب الـفساد بالفَـنّ، ثم بالرّسم عبر مسابقات أطلقتها في مدارس التعليم العام، فلا اعتراض على البرامج التوعوية أبداً التي هدفها تعزيز السلوك الأخلاقي، وتنمية الشعور بالمواطنة، وبأهمية حماية المال العام والمرافق، والممتلكات العامة، ولكن ذلك مهمة جهات أخرى؛ أما (الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد «نزاهة») فإيماننا أنها جهة رقابية، ما زلنا ننتظر منها الكثير في كشف الفساد الذي قد يدار خلف الأبواب المغلقة!.