أثار ظهوري في برنامج (الإم بي سي في أسبوع) للحديث عن قضية إغلاق المحلات وقت الصلاة جدلاً كبيراً، طالني لهيبُه من عدّة جهات وبطرقٍ مختلفة، وهذا أمر متوقَّع ما دمت أقف في صف مَن يرون بضرورة فتح المحلات، وإنهاء هذا الأمر. فقد تعوَّدنا -كما كررت كثيراً- أن يبدأ الهجوم على مَن يُعبِّر عن رأيه في هذا الأمر، وتبدأ حملة التشكيك في النوايا والمعتقدات، وتنهال عبارات التخوين والشتم التي لا يقبلها الإسلام، ولا تتسق مع الإنسانية.
لاحظت تكرارَ الخلط بين الصلاة باعتبارها فرضاً، وإغلاق المحلات وقت الصلاة باعتباره مسألة إدارية تنظيمية، لا علاقة لها بالشعيرة. ورغم أنهما قضيَّتان منفصلتان، إلا أن كثيراً ممَّن ناقشوني لم يستطيعوا إدراك ذلك، ويعود ذلك -في رأيي- لسببين: أولهما: أن موقف هؤلاء عاطفي بحت، والثاني أنهم يعتمدون على حفظ أقوال ليست لهم، دون أن يكونوا مقتنعين بها أو مُدركين حقاً لأبعادها، (وهذه مشكلة أخرى كما تعلمون).
بعضهم يُرسل لي آيات قرآنية، وأحاديث شريفة، تُؤكِّد على أهمية الصلاة، وكأني أنكرت وجوب الصلاة، أو حاولتُ إسقاط فرض من الفروض. (رغم أن مقالي الأول -الذي كان سبباً لاستضافتي- لم يُركِّز على شيء أكثر من انقيادنا -رجالاً ونساءً- لأداء الفريضة بالفطرة).
أنا أحترم وجهات النظر ومختلف الآراء في الموضوع، لكني -حقيقةً- لم أعد أجد أي مبرر منطقي وعملي لإغلاق المحلات وقت الصلاة، كما أرى أن «العاطفة» تُمثِّل الدافع الرئيس (والوحيد ربَّما) خلف حماس «المعارضين» لفتح المحلات. ومع تقديرنا لهذه العاطفة، إلا أن إغفال الأضرار الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن الإغلاق لم يعد أمراً ممكناً.
في المقابلة التلفزيونية ركَّزت على البعد الاجتماعي، وتأثير إغلاق المحلات على روتين الحياة اليومية لقاطن هذه البلاد. لقد أضحى الأمر همًّا يومياً، وتعقيداً لا معنى له، ولعل معظم الناس يمرون بقصص يومية تُثبت هذا؛ قبل يومين وجدت نفسي في نهاية يوم مرهق جداً قد أضعت أكثر من ساعة بانتظار مكتبة شهيرة لتفتح أبوابها دون أن أجد مرادي في نهاية الأمر، (قال لي الموظف بعد كل ذلك الانتظار: الكتاب موجود في كل فروعنا الأخرى، عدا هذا الفرع!! طيب وعمري الذي ضاع في انتظاركم بالخارج؟؟). وبالأمس تحوَّل شرب فنجان قهوة إلى مشروع فاشل بعد أكثر من ساعة.. وقبلها قصة أخرى مع تعبئة وقود السيارة، وغيرها زيارة خاطفة لشراء غرض بسيط أو إعادة غرض آخر استحالت لبؤرة توتر وقلق.. هذا الشلل الذي يُصيب الحياة اليومية أربع مرات يومياً، يجعل من هذه الأمور البسيطة شاغلاً يومياً، وسبب تعطيل مستمر.. تخيَّلوا أن يتحوَّل شرب فنجان قهوة في مقهى.. إلى مشروع يومي في غاية التعقيد!!).
أعتذر لكل من خالفوني الرأي، ولكل أولئك الذين شعروا بالإحباط بعد ظهوري وخاب ظنّهم في صاحبهم.. لكن هذا رأيي، ولا سبيل لديَّ إلا أن أعرضه صراحةً: هذا زمن مختلف، وأعتقد أن (إغلاق المحلات أوقات الصلاة) أمر ينتمي لحقبة انتهت؛ حقبة كانت تعتمد على المنع، والإغلاق، والرفض... وأمور أخرى!!