في إذاعة جدة برامج متنوعة تناسب مختلف فئات المجتمع، وتُواكب متطلبات المرحلة الراهنة، ودومًا يستقطب اهتمامي؛ برامج الفكر والثقافة والأدب ومَن يُقدِّم البرنامج؛ إن كان متمكنًا من أدواته الإعلامية، لغةً وفكرًا وسعة أفق ومهارات اتصال عالية.
سعدتُ بالمشاركة في أكثر من حلقة لبرنامج «تفكير لا تكفير»، والذي يتناول موضوعات فكرية متنوعة يتم استضافة خبراء ومختصين في مجال الوعي الفكري الإنساني والتربوي، وممن يهتمون بتوعية الجيل الشاب بلغة تُناسبهم عبر تفكير منطقي، ولغة العقل الواعي.
العالم اليوم على مختلف الأقطار والثقافات والديانات أصبح أكثر تواصلًا عبر التقنية ومواقع التواصل الاجتماعي؛ لذا نحن بحاجة إلى لغة عالمية مشتركة تدعو للتسامح وتقبل الآخر، مهما اختلف معي في دينه أو لغته أو ثقافته أو بيئته التي ينتمي إليها.
الحدث الإرهابي المستنكر؛ الذي وقع مؤخرًا في نيوزيلندا في مسجدين من مساجد المسلمين، وتوثيق الحدث عبر التقنية وعلى الهواء مباشرةً كان محل استهجان وإنكار شديد من المجتمع النيوزلندي المسالم في مجمله، وهذا الحدث كان بمثابة ناقوس خطر، لا بد أن يدق لنعرف مَن هو المتطرف، وكيف تبدأ عنده فِكرة التطرف، ومتى تصل لمرحلة تنفيذ الأفكار المتطرفة؛ ليتم إقصاء الآخر وإزاحته من الوجود.
ردّة فعل النيوزيلنديين حكومةً وشعبًا كانت مُبهرة لكل العالم، بل مبهرة لنا نحن كمسلمين.. وارتداء الحجاب من النساء ونقل صلاة الجمعة في القنوات الرسمية؛ كانت مؤشرًا حقيقيًّا على أنهم يحترمون الدين الإسلامي وتعاليمه، ومَن ينتمون لهذا الدين العظيم.
هذا الشعور الإنساني بالمواساة في وقت الأزمة درس قوي بأن هناك مشترك إنساني بيننا نحن أهل الأرض، وموكل لنا من رب الكون عمارتها وخلافة الله فيها، هذا ما نُؤمن به، كما ورد في الذكر الحكيم، عمارة الأرض ومنجزات الحضارات الإنسانية تبقى خالدة عبر العصور، تسجَّل باسم المنجزين على مختلف أعراقهم ودياناتهم.
اليوم أبناء وبنات الوطن في كل بقعة من بقاع الأرض ابتعثتهم الدولة لنيل العلم النافع واكتساب الخبرات والمهارات في كل جامعة عالمية مرموقة، هناك مَن يُمثِّل الوطن وهو يعتبر سفيرًا حقيقيًّا بأخلاقه وتعامله وحرصه على الالتزام بالقوانين والأحكام المعترف بها في كل دولة، وهم مَن يُعوّل عليهم الحفاظ على هويتهم الوطنية، وفي الوقت نفسه لديهم مسؤولية تتعلق بتغيير الصورة النمطية لدى بعض أفراد المجتمعات الغربية عن المسلمين، وإزالة تلك الأفكار السوداء والتي تُعبِّر عن الإسلاموفوبيا لدى القلة من المتطرفين في كل مجتمع.
نحن بلغة المعتدلين ننظر للسواد الأعظم من سُكَّان الأرض، نتعامل مع الآخر بقبولٍ واحترام، وبلغة الفيزيائيين التي أؤمن بها كثيرًا في تعامل البشر أيضًا، لكل فعل ردة فعل مساوية له في المقدار ومعاكسة له في الاتجاه، فمَن يحترم الآخرين، حتمًا سيحترمه الآخرون.
شكرًا للإعلام الهادف، وللمذيع المتألق صاحب اللغة المتميزة، والحضور فائق الجودة، والفكر المستنير، الأستاذ عزام الخديدي، ولضيوفه الكرام، خاصة الضيف الدائم الأستاذ سليمان البلادي، تحية تقدير واحترام وإجلال لفكرهم النيِّر وطرحهم الراقي المعتدل.