Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
عدنان كامل صلاح

فقد البريطانيون القيادة والحكمة

A A
فقدت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، القدرة على قيادة أعضاء مجلس وزرائها وفشلت في قيادة حزبها (حزب المحافظين)، ولم تتمكن من إقناع البرلمان بالموافقة على اتفاقية الخروج من الاتحاد الأوربي الذي تفاوضت عليه مع أوربا. وعلى الرغم من أنها قوية الشخصية وعنيدة إلا أن الحكمة التي هي إحدى أهم المهارات للسياسي لم تتقنها (كان لحزبها أغلبية في البرلمان وطمعاً منها في كسب المزيد من المقاعد البرلمانية وافقت على انتخابات مبكرة أدت الى فقدانها الأغلبية التي كانت تتمتع بها). ونتيجة لفقدان بريطانيا القيادة القوية أصبح مستقبل البلاد وخاصة الاقتصادي والمالي يواجه مخاطر عدة، وليس من الواضح كيف يمكن حل المعضلة التي أدخل السياسيون البلاد فيها. فاليمين المتشدد أصر على الخروج من الاتحاد الأوربي، ولم يكن راضياً منذ سنين عديدة عن الاستمرار ضمن أوربا إذ كان يرى في ذلك انتقاصاً لسيادة بلاده وتحجيماً لدور بريطانيا (العظمى). وروج هؤلاء المتشددون أن الخروج من أوربا سيؤدي الى توفير حوالي (350) مليون جنيه إسترليني أسبوعياً في النظام الصحي حين يُحرم الأوروبيون من مزايا هذا النظام (الأرقام لم تكن صحيحة)، وسيتوقف نزوح اللاجئين عبر أوربا ومنها. ويقود اليمين المتطرف في حزب المحافظين (حزب رئيسة الوزراء) حملة ضد مقترحات تيريزا ماي المتعلقة بأوربا، وكشفت الصحف البريطانية أن عدداً من أعضاء حزب المحافظين المتشددين فتحوا مفاوضات سرية مع نظرائهم في حكومات أقصى اليمين بأوربا (المجر، إيطاليا، بولندا) يطالبونهم باستخدام حق الفيتو الذي تملكه بلدانهم في الاتحاد الأوربي لحرمان بريطانيا من الفوز باتفاقية للخروج، حيث يعتقدون أن الخروج بدون اتفاق أفضل من أي اتفاق يمكن لتيريزا ماي أن تحصل عليه.

مازال في بريطانيا من يعتقد أنه بإمكان بلادهم استعادة بعض من مجدها الغابر، ويرون الاتحاد الأوربي قيداً على تحقيق هذا الحلم. ومع صعود الشعبويين يساراً ويميناً في عدد من دول العالم والذين يطالبون بالانكماش داخل قوقعتهم الوطنية أكان في أوربا أو أميركا أو غيرها (دونالد ترمب أكثرهم شهرة ولساناً لاذعاً وشعبوية) وجد أقصى اليمين البريطاني فرصة لسحب بريطانيا من الاتحاد عبر استفتاء لم تكن نتائجه مرضية لعدد كبير من المواطنين. ويواصل الآن ضغوطه للخروج من أوربا بدون اتفاق رافضاً قبول التحذيرات التي تقول إن الاقتصاد البريطاني سوف يتضرر كثيراً من هذه الخطوة. وربما نستذكر وضع بريطانيا في نهاية الحرب العالمية الثانية حينها كان الاقتصاد البريطاني منهاراً بينما تدير إمبراطورية من المستعمرات وراء البحار تثقل كاهل الإدارة في لندن وموازنتها. ولم يكن معها حل سوى طلب الدعم من أميركا التي اشترطت حينها عدداً من الحلول الاقتصادية كان أولها التخلي عن المستعمرات وإنهاء الاحتلال البريطاني لأجزاء واسعة من الأراضي في مختلف القارات إلا أن حزب المحافظين حينها لم يكن متحمساً لتقليص الهيمنة البريطانية العالمية وتم التدرج في ذلك الى أن جاء حزب العمال (برئاسة هارولد ويلسون) الى الحكم ليعلن كرئيس للوزراء الانسحاب من (شرق السويس).

مشكلة اليمين واليسار المتشدد على حد سواء والذي يحارب العولمة، أنه بينما الدعوات القومية قد تكون محمودة في بعض جوانبها إلا أن عليهم ملاحظة أن سهولة المواصلات في مختلف أنحاء العالم، جواً وبحراً وبراً، جعل من الحدود قضية شكلية، وجعل البلدان تحتاج الى بعضها البعض للإنتاج والبيع والشراء وغير ذلك من الضرورات. وأن تطور التكنولوجيا وتوسع شبكة الاتصالات بحسناتها وسيئاتها أحكم ربط العالم ببعضه البعض. وبالتالي فإن رخاء الشعوب لن يكن بتقوقعها داخل قشرتها القومية والوطنية وإنما بالتفاعل مع بقية العالم (وهو ما يتم فعلاً يومياً عبر وسائل التواصل الاجتماعي وأجهزة الإعلام). ونظام العولمة هو خطوة باتجاه صحيح وإن كان لا بد من تطويره لخدمة حاجات الشعوب وصالحها.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store