نادَى أعضاءٌ في مجلس الشورى بنقل محطات التحلية من المدن والمحافظات، وإخراجها من النطاق العمراني، لما تُسبِّبه من تلوُّث للبيئة، وتأثير على جودة الهواء، وما لها من انعكاساتٍ أخرى على صحة سكان المدن. وهذا طرح جميل ومقبول، لأننا نسعى جميعاً للإصحاح البيئي، والإقلال من نسب التلوث، خاصة في الماء والهواء، التي تُسبِّبها هذه المحطات.
محطات تحلية المياه المالحة في المملكة على ساحلي البحر الأحمر والخليج العربي لها دور كبير وبارز في تزويد المدن والمحافظات والمراكز والقرى باحتياجاتها من المياه العذبة، التي يعاني معظم سكان المملكة من قلتها، لأننا نعيش في بيئة جافة قليلة الأمطار، عديمة الأنهار، محدودة المصادر المائية، لذلك كان لهذه المحطات الدور الأبرز في تغطية هذا العجز بكمياتٍ كبيرة من المياه المُحلَّاة، التي حلَّت معظم إشكالاتنا فيما نعانيه من الفقر المائي في بلادنا.
محطات محافظة جدة والشعيبة تعتبر الأكبر في المملكة بعد محطة الجبيل، كما يرفد المنشآت العديد من المحطات المساندة على طول الساحلين الغربي والشرقي، وهذه المحطات لم تنشأ اعتباطاً، ولكن تم اختيار مواقعها وفق معايير دولية، وعوامل جغرافية طبيعية، وخصائص كيمائية وفيزيائية لضمان سلامة مخرجاتها، ولعل من أهم هذه المعايير: إنشاء محطات على الحواف الانكسارية لخط الساحل، بحيث يكون عمق الماء كافياً لضمان قلة نسب العكورة وزيادة درجة صفاء الماء؛ وأن تكون هذه المحطات بعيدة عن حركة تيارات الإزاحة تحت السطحية التي تجلب معها الكثير من الرسوبيات صيفاً وشتاءً حسب اتجاه حركة التيارات؛ وأيضاً بأن تكون المحطات بعيدة عن تكوينات الشُّعَب المرجانية التي يتناسب معها ضحولة القاع وتكثر فيها المفتتات، من أجل ذلك وغيره من الخصائص المهمة جداً، نلحظ أن اختيار مواقع إنشاء هذه المحطات يخضع لهذه العوامل مجتمعة، لأنها في غاية الأهمية، ويُستند في الاعتماد عليها عند إنشاء أي محطة جديدة لإعذاب الماء، وإذا كان الوضع خلاف ذلك؛ يمكن أن تتعرَّض المحطة للخراب، ويقل عمرها الافتراضي عما هو مقرر له.
محطات تحلية مياه البحر مكلفة جداً، ولا يقدر على إنشائها إلا الدول الغنية والقادرة على ضمان استمراريتها، لأن متطلباتها كثيرة، ومنها الإنشاء الذي يُكلِّف مليارات الريالات، والصيانة، والتشغيل، ووفرة الوقود فهي تستهلك كميات كبيرة من الطاقة، إضافةً لعمل الجهازين الإداري والفني، اللذين يديران هذه المحطات، لذلك يُكلّف نقلها لمواقعٍ أخرى الكثير من الإشكالات.
يمكن التغلب على مشكلة تلوُّث الهواء الصادر عن محطات التحلية بوضع فلاتر تضمن الإقلال من الانبعاثات والغازات الضارة الصادرة عنها، بحيث تكون نِسَب الغازات المنطلقة في الهواء في حدود القوانين المسموح بها دولياً، والتي ليس لها ذلك التأثير المبالغ فيه على صحة الإنسان، وهذا ما هو موجود بالمملكة، وهو التحكُّم في نِسب المواد المنبعثة من محطات إعذاب المياه، وذلك بالمتابعة الدقيقة والقياسات المستمرة التي تقوم بها هيئة الأرصاد وحماية البيئة، بحيث تكون الغازات المنبعثة منها غير مضرة بصحة الإنسان.
الماء، والهواء، والغذاء، هي مقوِّمات صحة الإنسان، والحفاظ على بيئة خالية من المُلوِّثات هو مطلب أساس، وجهود هذه الدولة المباركة واضحة في بذل الغالي والنفيس من عهد مؤسس هذه البلاد -طيب الله ثراه- حتى عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -أيده الله- من أجل توفير هذه السلعة الغالية للجميع، الأمر الذي نسأله تعالى أن يُثيبهم عليه، ويجزيهم عن الجميع خير الجزاء. فلا حراك، ولا تنمية، ولا تقدم في ظل انعدام الماء، أو الهواء، أو الغذاء، والأمن والاستقرار.
شكراً لكل مَن ناقش أو اقترح مثل هذه المواضيع التي تهم حياة الإنسان، وتكفل له حياة كريمة خالية من الملوثات، ولا ضير أن نبحث عن مواقعٍ أخرى ملائمة لإنشاء مثل هذه المحطات على طول الساحلين الغربي والشرقي للمملكة؛ من أجل تنمية مستدامة خالية من الملوثات والمنغصات بإذن الله.
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
