كان العرب قبل الإسلام؛ يعيشون حالة ممتدة من الصراعات القبلية والحروب والقتل؛ في بيئةٍ يسودها الجهل والتناحر والتنافر، واستمر ذلك الحال حتى بروز فجر الرسالة المحمدية التي جاءت لإصلاح ذلك الحال وفق الأنموذج الرباني الذي نزل به الوحي على نبي الرحمة، فقضت تباعاً على ذلك الحال التناحري، وأوجدت مجتمعاً إسلامياً متكافلاً مترابطاً متعاوناً؛ تسوده المحبة والمودة، والعدل والمساواة، واستمر ذلك الحال إبّان حياة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وبعد وفاته، ثم في عهد الخلفاء الراشدين -رضوان الله عليهم-، لكن الأمور بعد ذلك بدأت تعود إلى ما كانت عليه من الخلافات والتناحر، وحب السلطة، فبدأت تظهر المذاهب والطوائف التي كانت في ظاهرها شرعية، لكن السياسة تتحكَّم في مسيرتها، وتدفع بها لخدمة أجنداتها، فزجّت بالكثير من الأحاديث الضعيفة والمكذوبة، وتنامت الحكاوي التي اتخذت من الشرع لباساً، واستثمر بعض المتصيدين من داخل العالم الإسلامي وخارجه، تلك الحالة الرمادية، فبدأ الانحراف في تفسير الأحكام الشرعية، ودخل الكثير من ذلك التراث المكذوب والضعيف والمبالغ فيه ليتحوَّل إلى تشريع، فكان من نتيجة ذلك أن برزت الكثير من الفرق الإرهابية التي أفسدت في الأرض، وفجَّرت وقتلت وشوَّهت الصورة الناصعة للدين الإسلامي، وشوهت ذلك الأنموذج الرباني، مما ترتَّب عليه نشوء التصوُّر الضبابي للدين الإسلامي العظيم، من خلال تلك الفئات والطوائف التكفيرية التفجيرية، بحجة أن ذلك يعود إلى تعاليم الدين الإسلامي، بينما الحقيقة والواقع أن الدين الإسلامي بريء من كل ذلك، حيث إن التشويه نشأ من تلك الشرائح التكفيرية، وتنامى العداء وتكالبت الأمم، لمعاداة كل المسلمين في شتى بقاع الأرض، ولذلك، لابد على المنظمات الإسلامية الوسطية وكذلك الحكومات في عالمنا الإسلامي أن تعيد النظر في التراث الإسلامي، وتزيل كل ما علق به من ذلك التراث المكذوب والمضلل وتنقيته، في محاولةٍ للعودة إلى ذلك الأنموذج الرباني، وإزالة ما علق به من صور تشويه، كان السبب فيها تلك الطوائف التكفيرية، ليتضح للغير أن الدين الإسلامي دين محبة وسلام، ودين تكافل وتراحم ومحبة، وهذا ما يستوجب علينا نحن المسلمين، وما يستوجب على كل المؤسسات الإسلامية حول العالم، أن تقوم به، وما يستوجب أيضاً على كل المؤسسات التربوية والإعلامية، وكل المنابر الدعوية، على أن يكون ذلك وفق منظومة من الأعمال الممنهجة، وما يستوجب أيضاً على كل القيادات الإسلامية.
وما قامت به القيادة السعودية في عهد الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير محمد بن سلمان يُعدُّ مثالاً يُحتَذَى به، حيث جاء أمر الملك سلمان بإنشاء هيئة للتدقيق في استخدامات الأحاديث النبوية، والقضاء على النصوص الكاذبة والمتطرفة، وأي نصوص تتعارض مع تعاليم الإسلام، لتعمل على تنقية التراث الإسلامي من كل الشوائب التي استحدثها البعض.
ولعل الدور المنوط برابطة العالم الإسلامي يُعدُّ الأبرز والأكثر أهمية الآن، بعد حالة السبات العميق الذي عاشته في عقودٍ سابقة. والله تعالى من وراء القصد.