تعود رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي من جديد إلى بروكسل لتطلب إرجاءً جديداً لموعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، في ظلّ عدم قدرتها على دفع البرلمان إلى اعتماد اتفاق الطلاق الذي توصلت إليه مع القادة الأوروبيين في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر.
ويتألف الاتفاق من وثيقتين:
اتفاق الانسحاب الذي ينظم الانفصال ويقع في 585 صفحة، وإعلان سياسي من 26 صفحة يتناول العلاقة المستقبلية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.
وفي ما يلي النقاط الرئيسية التي ينص عليها الاتفاق:
فترة انتقالية
ينص الاتفاق على فترة انتقالية تنتهي في 31 كانون الأول/ديسمبر 2020 وسيطبق خلالها البريطانيون قواعد الاتحاد الأوروبي وسيستفيدون منها. وسيكون على بريطانيا مواصلة دفع مساهمتها المالية في الاتحاد لكن بدون أن تكون ممثلة في مؤسساته أو أن تشارك في قراراته. والهدف من تحديد فترة انتقالية هو تجنب قطيعة مفاجئة خصوصا للقطاع الاقتصادي، وإعطاء لندن والاتحاد الأوروبي الوقت للتفاوض بشأن علاقتهما المستقبلية وخصوصا التوصل إلى اتفاق تجاري. يمكن تمديد الفترة الانتقالية مرة واحدة بموافقة الطرفين حتى نهاية 2022 كأبعد حد.
مشكلة إيرلندا
نص الاتفاق على "شبكة أمان" (باكستوب بالانكليزية) لمنع عودة حدود فعلية بين إيرلندا الشمالية التابعة لبريطانيا وجمهورية إيرلندا، وذلك من أجل حماية اتفاقات سلام موقعة في 1998 والمحافظة على السوق الأوروبية الموحدة.
ويعد هذا الحل الخيار الأخير الذي يمكن اللجوء إليه في نهاية المطاف بعد الفترة الانتقالية في حال لم يتم إيجاد تسوية أفضل بحلول منتصف 2020 بين لندن وبروكسل. وتقضي هذه الآلية المثيرة للجدل بإنشاء "منطقة جمركية موحدة" تشمل الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة لا تطبق فيها أي أنظمة للحصص أو رسوم جمركية على السلع الصناعية والزراعية.
وستتمتع إيرلندا الشمالية بوضع خاص إذ ستبقى ملتزمة بعدد محدود من قواعد السوق الأوروبية الموحدة خاصة في ما يتعلق بالمعايير الصحية لعمليات المراقبة البيطرية. وإذا طبقت "شبكة الأمان"، يفترض أن يتم اتخاذ قرار مشترك لإلغائها مع ضرورة إيجاد علاقة تجارية أخرى تستثني الرقابة الجمركية على الحدود مع إيرلندا.
حقوق المواطنين
يمكن لمواطني الاتحاد الأوروبي وبريطانيا (3,2 ملايين أوروبي في المملكة المتحدة و1,2 مليون بريطاني في دول التكتل الأخرى) مواصلة العيش والعمل أو الدراسة والحصول على مساعدات اجتماعية واستقدام عائلاتهم.
التسوية المالية
تعهدت بريطانيا احترام التزاماتها التي قطعتها في إطار الميزانية الجارية التي تمتد لعدة سنوات (2014-2020) وتغطي الفترة الانتقالية أيضا. وستستفيد في المقابل من إعادة الأموال البنيوية الأوروبية والسياسة الزراعية المشتركة.
وتقدّر الحكومة البريطانية المبلغ بنحو 39 مليار جنيه استرليني (44 مليار يورو).
ينظر القادة الاوروبيون الاربعاء في طلب بريطانيا الحصول على ارجاء جديد لبريكست حتى 30 حزيران/يونيو. ويدعو رئيس المجلس الاوروبي دونالد توسك من جهته الى مهلة سنة.
في ما يلي السيناريوهات الممكنة:
1/ ارجاء قصير الامد
ترغب رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي التي سبق ان حصلت على ارجاء أول لبريكست من 29 آذار/مارس الى 12 نيسان/ابريل في تمديد المهلة مجددا لمحاولة تخطي مأزق معارضة النواب البريطانيين للاتفاق الذي تفاوضت حوله مع بروكسل وعدم تمكنهم من الاتفاق على حل بديل.
وبدأت لهذه الغاية الاسبوع الماضي محادثات مع زعيم المعارضة العمالية جيريمي كوربن لكنها لم تؤد الى نتيجة بعد. وهذه المحادثات ستستأنف الخميس بعد القمة الاوروبية.
ويفترض ان يوافق قادة دول الاتحاد ال27 على ارجاء بريكست الذي طلبته ماي. وكانت رئيسة الوزراء البريطانية طلبت ارجاء حتى 30 حزيران/يونيو خلال القمة الاوروبية في آذار/مارس لكن طلبها رفض بسبب الانتخابات الاوروبية المقررة من 23 الى 26 ايار/مايو. وبالتالي رضخت للامر واضطرت لبدء التحضيرات للمشاركة في الانتخابات الاوروبية في 23 ايار/مايو مع التاكيد بان رغبتها هي مغادرة الاتحاد عبر اتفاق قبل 22 ايار/مايو ما قد يتيح لها الغاء الانتخابات الاوروبية.
2/ ارجاء طويل
دعا دونالد توسك الثلاثاء الى ارجاء يمكن أن يصل الى سنة "كحد أقصى". وهذا سيتيح تحديد موعد نهائي جديد لبريكست مع ترك الباب مفتوحا أمام خروج بريطانيا قبل هذا الاستحقاق في حال توصل النواب الى الاتفاق وصوتوا في هذا الوقت على الاتفاق الذي تفاوضت عليه ماي مع بروكسل.
مثل هذا الارجاء سيتطلب مشاركة بريطانيا في الانتخابات الاوروبية المرتقبة في ايار/مايو ويجب أن ينال موافقة الدول الاعضاء ال27 بالاجماع. واوضحت اوساط الاليزيه الثلاثاء ان فرنسا "لا تعارض" ارجاء لكن مدة سنة "تبدو طويلة جدا".
من جهتها اعتبرت المستشارة الالمانية انغيلا ميركل انه "من الممكن" ارجاء بريكست "حتى مطلع 2020".
3/ لا اتفاق
في حال رفض الاتحاد الاوروبي ارجاء بريكست، فسيتم الخروج من الاتحاد بدون اتفاق اعتبارا من 12 نيسان/ابريل. وهذا السيناريو الذي تتخوف منه الأوساط الاقتصادية سيعني خروجها سريعا بدون فترة انتقالية ولا خطة لاحقة حول العلاقة بين بريطانيا والاتحاد الاوروبي.
وبعد 46 عاما من الانتماء الى الاتحاد الاوروبي، ستغادر البلاد السوق الموحدة والاتحاد الجمركي وستكون خاضعة لقوانين منظمة التجارة العالمية. وكثف الاتحاد الاوروبي وبريطانيا في الاشهر الماضية التحضيرات لمواجهة مثل هذا الاحتمال رغم ان الدول ال27 والنواب البريطانيين يؤكدون انهم لا يريدون ذلك.
4/ انتخابات عامة
يمكن أن تتم الدعوة الى انتخابات عامة في حال لم يتمكن البرلمان والحكومة من تجاوز خلافاتهما حول بريكست. مثل هذه الانتخابات يمكن ان تنظم أيضا اثر تصويت على مذكرة لحجب الثقة ضد الحكومة.
5/ لا بريكست
مثل هذا التحول في الموقف الذي تدعمه أقلية فقط في البرلمان، سيتطلب تنظيم انتخابات جديدة أو استفتاء جديد يعكس نتيجة الاستفتاء الاول الذي صوت خلاله البريطانيون بنسبة 52% لصالح بريكست في حزيران/يونيو 2016.
وبحسب محكمة العدل الاوروبية فان بريطانيا يمكنها أن تقرر التراجع عن مغادرة الاتحاد الاوروبي بدون ان تكون مضطرة للحصول على موافقة الدول الاعضاء الاخرين.
وتطرق المملكة المتحدة المنقسمة والمربكة و غير القادرة على اتخاذ قرار بشأن شروط خروجها من الاتحاد الأوروبي، باب التكتل من جديد لطلب إرجاء بريكست مرة أخرى. في ما يلي الأخطاء المتتالية في الحسابات التي أوصلت إلى المأزق الحالي:
ديفيد كاميرون
اعتقد رئيس الوزراء السابق المحافظ ديفيد كاميرون المؤيد للبقاء في الاتحاد الاوروبي، أن بامكانه حل مسألة انقسام حزبه حول هذا الموضوع بشكل نهائي عبر استفتاء اقترح تنظيمه فيما كان في تحالف مع الليبراليين الديموقراطيين.
وكان متأكدا آنذاك بان المؤيدين لاوروبا سيعارضون ذلك. لكنهم هزموا في الانتخابات التالية، ووجد كاميرون نفسه وحيداً ليدير هذه المسألة مرغماً على الوفاء بوعده عبر تنظيم هذا الاستفتاء حول بريكست المحفوف بالمخاطر في 23 حزيران/يونيو 2016.
الحزب العمالي
انتخب أبرز حزب معارض يفترض أنه مؤيد لأوروبا، في أيلول/سبتمبر رئيسا مشككا بأوروبا هو جيريمي كوربن، المرشح الذي لم يكن أحد يتوقع فوزه لانه يمثل التيار اليساري في حزب العمال.
قاد كوربن حملة من دون حماس من أجل البقاء ضمن الاتحاد الاوروبي، وكانت النتيجة أن صوت البريطانيون مع الانفصال عن الاتحاد الاوروبي.
تيريزا ماي
قررت رئيسة الوزراء أن تفعل سريعاً بعد وصولها إلى السلطة في حزيران/يونيو 2016 المادة 50 التي تنص على مهلة سنتين لتنظيم خروج البلاد من الاتحاد الأوروبي، وهي مدة قصيرة نسبيا لعملية بمثل هذا التعقيد.
لكنها تمسكت بموعد محدد هو 29 آذار/مارس 2019 وأدرجته قانونياً، لكن سوء تقدير صعوبة هذه المهمة أدى إلى إرجاء موعد بريكست إلى 12 نيسان/ابريل أولا. والآن تريد من الاتحاد الموافقة على تأجيل جديد حتى 30 حزيران/يونيو.
وارتكبت تيريزا ماي خطأ الدعوة إلى انتخابات مبكرة في حزيران/يونيو 2017 بهدف تقوية موقعها من أجل تمرير مشروع بريكست. لكنها خسرت غالبيتها المطلقة في البرلمان واضطرت لتليين الاتفاق الذي توصلت إليه حول بريكست، والتحالف مع حزب صغير هو حزب الوحدويين الايرلندي الشمالي الذي أدت مواقفه حول الاتحاد مع بريطانيا، المسألة الوجودية بالنسبة اليه، الى افشال اتفاقها حول بريكست الذي رفض ثلاث مرات في البرلمان.
حددت منذ البداية الخطوط الحمر للمحادثات مع الاتحاد الأوروبي
الخروج من الاتحاد الجمركي والسوق الموحدة وتعثرت سريعاً حول عقبة كبيرة: مصير الحدود بين جمهورية إيرلندا العضو في الاتحاد الأوروبي وإيرلندا الشمالية، المقاطعة البريطانية. وعدم التشاور بشكل كاف حول موضوع بمثل هذه الاهمية مع المعارضة العمالية ساهم أيضا في الوصول الى طريق مسدود.
مؤيدو بريكست
تصر الشريحة المعارضة بشدة للاتحاد الاوروبي ضمن حزب المحافظين على بريكست بدون تنازل يؤدي إلى خروج البلاد بشكل صريح وإطلاق يدها في التجارة الدولية والتخلص من أي رابط مع الاتحاد الأوروبي، وصوتت بانتظام ضد اتفاق الخروج من الاتحاد الذي ابرمته زعيمة المحافظين مع الاتحاد الاوروبي. وفي النهاية فإن الطلاق الكامل الذي يريدونه أرجىء ويمكن أن يتم تخفيف حدته كثيرا.
النواب
أراد النواب استعادة السيطرة على مسار عملية بريكست وأجروا سلسلة عمليات تصويت تهدف إلى تحديد موقف يحظى بغالبية يحدد سبل الخروج. لكنهم لم يتمكنوا من الاتفاق على ذلك بعد جلستين شهدتا الرد على سيناريوهات محتملة مختلفة لبريكست.