شيء يُشبه الحلم بالنسبة للشعب السوداني عندما استفاقوا، ولأول مرة، بعد ثلاثين عاماً بدون رئاسة عمر البشير، بعد انتفاضة شعبية شهدتها بلادهم، تعاطفت معهم، ومن ثم أذعنت لمطالبهم بعض القيادات العسكرية، لكن، ورغم المرونة التي أبداها المجلس العسكري الانتقالي الذي أُستبدل مرتين، إلا أن مشهد السودان السياسي، ومشاكله المتراكمة، لن تجعله يتعافى بالسرعة التي تطمح لها قيادات المعارضة، تلك المشاكل، قال عنها البشير عندما استولى على السلطة 1989: "إن هذا البلد المنهك والمنهار لا يُشجِّع أحداً على الاستمتاع بالسلطة فيه"، يتفق مع ما ذهب إليه البشير، الخبير لدى معهد السلام الأمريكي (آلي فرح) الذي صرَّح لـ(نيويورك تايمز) "بأن الشعب السوداني يريد التغيير، لكن مشاكل السودان بنيوية، وليست مرتبطة بشخصية الرئيس، وأن رحيل الرئيس البشير لن يشفي السودان بين عشية وضحاها".
ولم يفلح البشير في مواجهة الأوضاع الاقتصادية، ولا حتى الذين سبقوه، كما لم يفلح في امتصاص الغضب الشعبي المتنامي، واحتواء الاحتجاجات ضد تصاعد أسعار السلع والخدمات، الأمر الذي قاد لهذه الانتفاضة.
المجلس العسكري الانتقالي الحالي، والذي يرأسه الفريق عبدالفتاح برهان، أبدى مرونة مع انتفاضة الشعب السوداني ومطالب الأحزاب، حيث تعهَّد بتفكيك واجهات النظام السابق، وألغى حظر التجوُّل، وأفرج عن محكومي الطوارئ، وأعلن عن أن مهمتهم تشكيل مناخ ملائم للتنافس بشفافية، وقال بأن فترة العامين خاضعة للتفاوض والتشاور، ويمكن أن تتقلَّص إلى شهرٍ واحد حال جرى اتفاق كامل بين المكونات السياسية، وطالب الأحزاب المعارضة بتقديم مبادرة مكتوبة للحل السياسي، كما استقبل القوى المعارضة وتسلم بياناً بمطالبهم، إلا أنه ظهر فيما بعد تباين بين تلك القوى، حيث اعترضت الجبهة الثورية على اللقاء بحجة أن الوفد الذي تكوَّن؛ لم يتم الاتفاق عليه من جميع الأطراف المكونة لقوى الحرية والتغيير، ولابد من إشراك الفاعلين في الثورة، ولاسيما النساء والشباب في مشاورات قوى الحرية والتغيير.
هناك أوجه تشابه فيما يبدو بين (برهان) و(سوار الذهب) حول عزوفهما عن السلطة، فسوار الذهب، حينما أيقن بأن رئيسه يجب أن يرحل، بعد أن شعر بأن البلد يتدهور، وغضب الشارع السوداني يتنامى، قام بالانقلاب عليه، ووعد شعبه بأنه سيرحل بعد عام من حكمه بعد تشكيل الحكومة، وإتمام الانتخابات، وكان عند وعده، و(برهان) الذي ألقى القبض على البشير، والرجل العسكري المستقل، والذي شارك في انتفاضة الشعب، حريٌ بأن يكون صادقاً عند وعده، وجعل الكرة في ملعب (قوى الحرية والتغيير)، وهي التي عليها أن تتوحَّد وتُقدِّم رؤيتها للمرحلة المقبلة.
ويبدو أن المجلس العسكري الانتقالي مرحّبٌ به من قِبَل دول عدة من بينها دول الجوار التي أعلنت عن تأييدها لهذا التغيير، ودعت الشعب السوداني إلى تغليب المصلحة الوطنية. ومن السهل على قوى الحرية والتغيير إن أرادت الإسراع في تشكيل الحكومة المدنية أن تسعى إلى اختيار حكومة تكنوقراط انتقالية، يحمل أعضاؤها درجات علمية عليا في تخصصاتهم، لكي تستقر الأمور في البلاد، وتتجاوز عثرتها الاقتصادية، وتنعم بالاستقرار.