هو ممارسة التوحُّش الإلكتروني بكل معانيه الأخلاقية والثقافية والاجتماعية، وقد لوحظ بشكلٍ لافت أن بعضًا ممَّن لديه حساب شخصي في تويتر ومن خلال ما يُسمَّى بحرية التعبير؛ يقوم ببثِّ أفكاره ومعتقداته وكراهيته دون أدنى حساب أو استشعار بالمسؤولية نحو الآخرين، مما حوّل الفضاء الإلكتروني للتواصل الإنساني إلى حلبة مصارعة وعرة للتكاره الاجتماعي.
هناك هوس حقيقي بتصدير الهاشتاقات، معظمها تقوم على رصد الهفوات والرغبة في النيل من الآخرين بروح التشفي، حتى يسجل لديك الانطباع بأن عدد المتأزمين بخللٍ في الصحة النفسية في ازديادٍ مستمر بكل أسف، ولابد لنا في هذا المقام من وقفةٍ جادة والتعامل مع هذا الأمر بمأخذ الجد وإيقاف هذا النزيف وتصحيح بعض المسارات ومراجعة النفس والتساؤل عن الكيفية التي أفضت إلى هذا المستوى من الخلل النفسي.
يُعلِّق أحد الأصدقاء على بعض الهاشتاقات بأنها مليئة بالأخطاء الإملائية والصياغية وغير ذلك، فضلاً عن ما يحمله من عنفٍ لفظي وعدواني، ربما أعاد «النشطاء العقلاء» إلى مغادرة الساحة، ورَفْض هذا النوع من التواصل للحفاظ على الورع الأخلاقي؛ في ظل انعدام حُرَّاس بوابات تويتر، وانعدام الحوار المتحضِّر العقلاني، وتغييب التعدُّد والتنوُّع والاختلاف.
عن دار «ميلاد» صدر للأديب والناقد الأستاذ محمد العباس كتابه: «تويتر.. مسرح القسوة»، كتاب صدر في مطلع العام الهجري الجديد 1440 في مائة وخمسين صفحة، ويصف الأستاذ العباس هذا المسرح بأنه تدمير الآخر، لأن ذلك الفعل يوهم المغرِّد بامتلاك السلطة، ويريد أن ينال إعجاب الآخرين بجرأته على دك مواقع الخصوم، وكل همّه أن يكون في واجهة المشهد التويتري، وأن يكون هو المنتصر دائماً -ولو بالشر- على مسرح القسوة في تويتر، لأنه من صنَّف الأشرار -كما يصفه المؤلف- الذين لا يبدون أدنى تعاطف مع ضحاياهم، ولا يشعرون بالذنب الذي اقترفه.
الشكر والتقدير للأديب الأستاذ محمد العباس على هذا الإهداء القيّم الذي منحني الفرصة لإلقاء الضوء على هذا المسرح الكريه، واستيحاء فكرة المقال مما تم سرده في هذا الكتاب؛ الذي يُؤمل ألا يصبح فضاء التواصل محلاً للتكاره الاجتماعي، وأحسب أن هذا الأمر لا يغيب على فطنة مراقبي تويتر وكل حرَّاس الفضيلة.
اللهم اجعل بلادنا وسائر بلاد المسلمين آمناً مستقراً، واصرف عنَّا جميعاً الفتن ما ظهر منها وما بطن، واحفظها من كيد الكائدين ومكر الماكرين، إنك ولي ذلك والقادر عليه.