رغم صدور قرارات عديدة لدعم أطفال مرضى التوحد، أبرزها إنشاء مراكز متخصصة لهم ومنحهم تعليما حقيقيا وتأهيلا منزليا على أيدي متخصصين، إلا أن الواقع يشير إلى معاناتهم من عدم إنشاء العدد الكافي من مراكز العلاج الشامل، واضطرار الكثير من الأسر إلى السفر بأبنائهم إلى الخارج لعلاجهم بفاتورة مالية مرتفعة.
وفيما تتقاذف 3 وزارات هي العمل والتعليم والصحة المسؤولية عن الوضع الراهن، تبدو الصورة غير مشجعة لعدم الاعتداد كثيرا بخطورة المرض الذي يصيب 400 ألف طفل وطفلة، واعتبار وزارة الصحة التوحد اضطرابا سلوكيا وليس مرضا، الأمر الذي يؤخر العلاج.
وفي الوقت الذي ترتفع فيه الأعداد المصابة بفرط الحركة وتشتت الانتباه، يرى المختصون أهمية تصنيف التوحد ضمن التخصصات الصحية بوزارة الصحة كبقية التخصصات العلاجية واعتماد جهة مركزية للتعامل معهم وأن يتولى التشخيص فريق عمل يضم 4 أخصائيين في السمع والنطق وعلم الاجتماع وعلم النفس والتوحد.
الغامدي: انعدام «التشخيص المبكر» يفاقم المشكلة
انتقد الدكتور محمد بن سعد الغامدي استشاري طب الأسرة والمجتمع غياب المراكز المتخصصة لعلاج أطفال «التوحد» محملا الجهات ذات العلاقة المسؤولية لعدم القيام بالأدوار المناطة بها كما ينبغي نظاما. ولفت إلى أن هؤلاء المرضى مشتتون بين 3 وزارات، مطالبا وزارة العمل القيام بدورها في إنشاء المراكز المقررة، ووزارة الصحة تفعيل برنامج «نمو» الذي أطلقته منذ 5 سنوات، ووزارة التعليم بمنحهم حق التعليم الحقيقي والتأهيل المنزلي على أيدى مختصين. وبين أن وزارة العمل لم تهيأ لهم مراكز في كثير من المدن والمناطق لذلك أضطر كثير من أسر أولئك الأطفال إلى الانتقال إلى مدن رئيسية أو دول مجاورة توفر لهم الرعاية مما كلفهم ذلك من أموال، معربا عن أسفه لاقتصار الوضع حاليا على مراكز خاصة «تحت التبرعات وجمعيات خيرية عد تصنيف المرض ضمن ذوي الإعاقة لتوفير مستلزمات طبية لاتحقق مردودا إيجابيا لهم، فيما تبقى المراكز المتخصصة مطلبا مهما للغاية.
واستغرب مبررات وزارة الصحة لتهميش أطفال التوحد بدعوى أنه اضطراب سلوكي وليس مرضا، مشيرا أن انعدام التشخيص المبكر بمرافقها يفاقم المشكلة ويزيد أعداد المتضررين . وقال « بعض الحالات لم تشخص سوى بعد 5 سنوات، لضعف كفاءة الممارسين الصحيين، والمؤسف أنه في النهاية يأتي التشخيص ضمن الإعاقات العقلية وفرط الحركة
وقال إن الوزارة تلزم المراكز الصحية بزيارة حالات التوحد وفق جدول التطعميات الصحية والاستماع إلى ملاحظات الأسر حول سلوكياتهم لإخراجهم من دائرة الحيرة التي تحيط بهم .أما وزارة التعليم فقد أجهضت حقوقهم ببطالة معلمي التربية الخاصة، مشيرا أنه لا يمكن لمعلم الجغرافيا أن يتعامل مع طيف التوحد، فيما حالهم في التعليم لايتجاوز «فصل ومنهج واحد» وكثير من أولئك يتم استقبالهم حتى المرحلة المتوسطة ومن ثم مصيره للمنزل عالة على نفسه وأهله . وقدرت الإحصاءات الرسمية عدد الأطفال المصابين بالتوحد بما يقارب 400 ألف طفل.
الزهراني: ارتفاع أعداد المصابين بفرط الحركة
أوضح خالد الزهراني مشرف التوحد بتعليم جدة ومستشار أسر التوحد أن عدد الملتحقين بمعهدي التربية الفكرية «توحد» 133 طالبا بينما وصل عدد طلاب الدمج الجزئي إلى 234 ويزيد عددهم في التعليم العام عن 20 طالبا.
وكشف على هامش مشاركته في ملتقى بلاحدود الذي أقامه مركز الاندلسية لصحة الطفل أن المقبولين لهذا العام بنات وصل كاجمالي إلى 120، حوالي 95 منهن في مرحلة رياض الأطفال و23 في المراحل التعليمية الأخرى، أما في تعليم البنين فوصل العدد إلى 356 في مدينة جدة فقط . وتشير الدراسات العلمية إلى ارتفاع ملحوظ في نسبة الأطفال المصابين بمرض فرط الحركة وتشتت الانتباه، من 3% إلى 7%، وسط توقعات بارتفاع النسبة الى 9.5% بين الأطفال في المرحلة العمرية من 4 سنوات إلى 17 سنة «عالمياً»، بينما في المملكة قد تصل النسبة إلى 15%.
النمرى: مراجعة الإحصاءات ضرورة
شدد الدكتور فهد النمري أستاذ التربية الخاصة المساعد بجامعة الطائف ومؤسس وشريك والمشرف العام على منصة نمو- على ضرورة الكشف المبكر للتوحد لمايترتب علي ذلك من ايجابيات، مشيرا إلى أن تقرير مسح ذوي الإعاقة الأخير للهيئة العامة للإحصاء والذي قدم كورقة عمل في مؤتمر تبادل الخبرات الثالث للتوحد يحتاج إلى مراجعة.
وأشار إلى أن تقديره لانتشار اضطراب طيف التوحد عند 0.26 % أو 1 في كل 400 حالة تقريبا، يعنى إصابة 53 ألف شخص في المملكة وهذه النسبة أقل من نصف النسبة العالمية، وينبغي التحري قبل اعتماد هذه النسبة من قبل الجهات المعنية بتمويل وتقديم خدمات الرعاية والتعليم للأفراد ذوي اضطراب طيف التوحد وهي وزارة الصحة، وزارة التعليم، وزارة العمل والتنمية الاجتماعية. ولفت إلى أن الوعي بالاضطراب يعد محدودا ليس في المملكة فحسب، بل في العالم العربي على وجه العموم.
الطاسان: قرارات المراكز الجديدة حبر على ورق
أكدت فوزية عبد الرحمن الطاسان مديرة الجمعية الفيصلية الخيرية النسوية بجدة وجود نقص حاد في الخدمات الحكومية التي يحتاجها المصابون بالتوحد، ما دفع ببعض الأهالي إلى اللجوء إلى بعض الدول العربية التي تقدم خدمات مراكز إيوائية، بدعم مالي من الحكومة، وكان من الأولى إنشاء مراكز متطورة. وقالت: بعد صدور قرارات واضحة بزيادة أعداد المراكز الخاصة بالتوحد، مازال هناك نقص في الخدمات المقدمة على الصعيد التربوي، والتدخل المبكر، والتأهيل والعلاج الوظيفي والحسي، والصحي، واشارت الى ان المراكز التي وعد بها أهالي وأسر الأطفال ذوي التوحد لم تشيد حتى اليوم، أما المراكز الحالية التي تقدم الخدمات جميعها أهلية باستثناء البرامج المقدمة من الأمانة العامة للتربية الخاصة في مراكز التربية الفكرية، والتي ينقصها الكثير من المتخصصين والإمكانات اللازمة إضافة إلى مركز التوحد للبنات بمدينة جدة». وأضافت أن أهم الخدمات التي يحتاجها الأهالي، عيادات تشخيصية متخصصة، وخدمات التدريب والتعليم، والخدمات الصحية الشاملة، وبرامج التدريب والتعليم المتخصص في الجامعات والكليات لمسار التوحد، وتوفير الأندية الرياضية والترفيهية للشباب فوق 16 سنة، وتوفير فرص عمل ملائمة ضمن بيئة ملائمة لظروفهم واحتياجاتهم الخاصة، موضحة أهمية العمل مع المصابين بالتوحد وفق ما يعرف (one to one) أي معلم لكل طالب، وفي بعض الحالات يمكن أن يضم الفصل الواحد من 3-4 طلاب بوجود معلم ومساعد معلم على أن تكون الحالات من خفيفة إلى متوسطة. وأشارت إلى أن المصاريف التشغيلية، وتحديداً رواتب المختصين هي أهم احتياجات هذه المراكز، موضحة أن الأسر الفقيرة تعاني من ارتفاع تكلفة الرسوم للمراكز الأهلية، بما فيها الجمعية السعودية للتوحد، وتتفاوت بين 15000 و30000 ريال سنوياً، وأشارت إلى أن ما يفاقم المعاناة وجود أسر لديها طفلين أو ثلاثة أو أربعة من ذوي التوحد لافتة إلى أن قوائم الانتظار قد تصل إلى 70 طفلاً لدى بعض المراكز.
جمانة: النتائج لا تظهر مبكرًا
جمانة مفتي اختصاصية سلوك تقول: لا بد من استخدام طرق موثوقة وفاعلة كالتدخل لعلاج اضطرابات النطق واللغة والمتمثلة في برنامج يقدم عن طريق جلسات تدريبية، إضافة إلى برامج التدخل التي تندرج تحت مظلة تحليل السلوك التطبيقي، والبرامج الموثوقة والفاعلة قد تم إثباتها عن طريق عشرات الدراسات العلمية المعتبرة.
كما يجب الصبر من المعالج وعدم التسرع والإحباط والاستعجال على الإيجابيات؛ لأن النتائج لا تظهر مبكرة لدى بعض «أطفال التوحد» وعدم الملل من السلوكيات التي يصدرها الطفل أثناء العلاج، وعدم تقبله وإصراره على الرفض وخلافه.
وبالإمكان الاستعانة بزميل خلال فترة العلاج في تناوب الأدوار؛ حتى تتحقق الفائدة المرجوة.
بندقجى: 6 مؤشرات للإنذار المبكر
طالبت الأخصائية النفسية بمركز اندلسية لصحة الطفل روان بندقجي بضرورة الاكتشاف المبكر للتوحد مؤكدة أن ذلك يعد أمرا حاسما لنجاح الطفل على المدى البعيد . وكشفت عدة عوامل تمثل الإنذار المبكر للإصابة بطيف التوحد ومنها عدم الابتسام للآخرين لدى بلوغ 6 أشهر وعدم سماع تمتمه أو تأشير بالإصبع أو إيماءات لها معنى لدى بلوغ 12 شهرا وعدم نطق أي كلمة لدى بلوغ 16 شهرا مع تواصل ضعيف بالعينين وعدم الرغبة في عرض الاغراض أو المشاركة في الاهتمامات مع الاخرين، كما تتضمن العلامات عدم نطق عبارات مكونة من كلمتين لدى بلوغ 24 شهرا وعدم الاستجابة للأصوات والضجيج أو الاسم وتعلق غير عادي بلعبة أو غرض معين وفقدان المهارات في أي وقت.
صديق تطالب بتطوير خدمات وحدة الدعم
دعت الاخصائية مها صديق بمركز التوحد الأول بجدة إلى تطوير الخدمات المقدمة من وحدة الدعم أو الإرشاد الأسري وتدريب الأخصائيين النفسيين في هذا المجال وتكوين اتجاهات إيجابية نحو أسر أطفال اضطراب طيف التوحد وتوفير طرق متعددة تضمن مشاركتهم وتنشيط أدوارهم والايمان بأن هذه الأسر مهما انخفض مستواهم الثقافي تظل لديها القدرة على المشاركة الإيجابية في حياة أطفالهم. وشددت على ضرورة الالتقاء بأسرهم وتقدير احتياجاتهم النفسية ودرجة التوافق أو التكيف مع حالة طفلهم وتدريبهم على البرامج المنزلية وكيفية تطبيقها واكسابهم المهارات اللازمة التي تمكنهم من مساعدة طفلهم في إطار البيئة المنزلية والمجتمع بشكل عام.
«الصحة» تستعين بخدمات القطاع الخاص
أقر المجلس التنفيذي لوزارة الصحة خطة عمل البرنامج الوطني لاضطرابات نمو السلوك (نمو) والذي يشمل اضطراب طيف التوحد، وشملت التوصيات استئجار مراكز لاضطرابات النمو والسلوك في الرياض وجدة والدمام كمرحلة أولى، وإنشاء فرق اضطرابات نمو السلوك واعتماد وحدات التشخيص والتدخل المبكر كإحدى إستراتيجيات العمل للمرحلة المقبلة، واستحداث دبلوم خاص بتأهيل العاملين في مجال اضطرابات نمو السلوك ودعم البرنامج بعيادات متنقلة؛ كما تعمل الوزارة حاليًّا على شراء الخدمات من القطاع الخاص التي تملك إمكانات ومواصفات تقديم خدمات اضطرابات النمو بمعايير الجودة العالمية .
أطفال التوحد في المملكة
400 ألف طفل وطفلة
15-30 ألف ريال كلفة العلاج
1-100 نسبة الإصابة في المملكة
1-150 نسبة الإصابة في أمريكا
شكاوى من نقص الخدمات
7 % نسبة الإصابة بفرط الحركة وتشتت الانتباه
4 أسباب لاضطراب التوحد
سبب نفسي لابتعاد الأم عن الطفل
خلل في الجينات في مرحلة مبكرة من عمر الجنين
خلل بيوكيميائي نتيجة خلل في
النواقل العصبية وإفراز بعض الهرمونات في الجهاز العصبي المركزى
خلل بيولوجي لفقر الدم الشديد أثناء الولادة
3 حالات قصور تكشف واقع مرضى التوحد
قصور في التعامل مع المحيط الاجتماعي
قصور في القدرة على التخيل
قصور في العلاقات الاجتماعية والقدرة على تكوينها
«أطفال التوحد».. مسؤولية ضائعة بين 3 وزارات !
تاريخ النشر: 28 أبريل 2019 03:08 KSA
400 ألف مصاب .. ومراكز العلاج «حبر على ورق»
A A