مجتمعاتنا العربية والإسلامية، بل حتى العالمية تمر بمرحلة تحولات متنوعة قد تختلف في تسارعها من بلد إلى آخر إلا أنها حقيقة ماثلة أمامنا، يكفي أن نأخذ على سبيل المثال لا الحصر الثورة المعلوماتية الكبرى التي يمر بها العالم، ولعل ما يهمنا في هذا الشأن هو كيفية الحفاظ والثبات على القيم والمبادئ الإسلامية الرفيعة وفي مقدمتها رأس المال الاجتماعي كما وصفها الأستاذ القدير أحمد حسن فتيحي في رسائله التي تمت طباعتها وتوزيعها بغرض التعريف بها وتداولها والتذكير بمضامينها. تعريفه برأس المال الاجتماعي .. هو القيم والمثل والمبادئ والأخلاق والإبداعات التي يملكها المجتمع.
بعد المقدمة الجميلة لها.. جاء تذكيره في هذا الشأن بشمولية ما نملكه وهو رحمة الله للعالمين سيد الأنام عليه أفضل الصلاة والسلام، ومنها ما استعرضه من السنة النبوية فيتحدث رسول رب العالمين عن نفسه فيقول (إني لأقوم إلى الصلاة وأريد أن أطول فيها، فأسمع بكاء الصبي فأتجاوز صلاتي -كراهية أن أشق على أمه.. ).
أمر آخر.. اسمعوا حوار سيدنا محمد مع الرجل الذي جاء يبايعه على الهجرة معه وعلى الجهاد في سبيل الله تحت رايته فيقول الرجل: يارسول الله جئت أبايعك على الهجرة وتركت أبويَّ يبكيان، فيجيبه سيد البشر: «ارجع اليهما فأضحِكهما كما أبكيتهما..»، وآخر يسأل: يارسول الله إني أشتهي الجهاد ولا أقدر عليه فيقول النبي: هل بقي من والديك أحد..؟ فيجيب الرجل: نعم.. فيقول سيدنا محمد عليه الصلاة والإسلام : ففيهما جاهد أو كما قال. ثم تأتي الشروحات التي استنبطها الأستاذ (أبو الوليد) ومنها، إذا كانت العبادة تتحول إلى تعذيب، حين تجيء على حساب رحمة النفس.. فإنها -أعني العبادة- تتحول إلى عقوق، إذا تمت على حساب رحمة الوالدين.
ثم تنتشر الرحمة لدى سيدنا محمد حيث يغطي دفئُها كل مقرور، وحتى تشمل الأحياء جميعاً من إنسان وحيوان. وفي المَواطن التي تعظم فيها الحاجة إليها، نجده عليه الصلاة والسلام يركز إلحاحه عليها.. فهو مثلاً إذا حث على الرحمة بالطفل يركز بصورة أشد على الرحمة بالطفل اليتيم أو الطفل مجهول الأبوين، وإذا حث على الرحمة بالحيوان يركز بصورة أوفى على الرحمة على الحيوان وهو يُذبح. وهكذا يدور قلبه الكبير مع دواعي الرحمة حيث تدور!! والرحمة عند سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام ليست نافلة من نوافل البر، بل واجباً من واجبات الرشد، وتبعة من تبعات الحياة. وكثيراً ما يردد : (من يسَّر على معسر في الدنيا، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة والله في عون العبد ماكان العبد في عون أخيه). ويقول (من أراد أن تُستجاب دعوته، وأن تكشف كربته، فليفرِّج عن معسر).
إن أبواب جمعية البر مشرعة أمامكم وتلبي ما تعتزمون تقديمه، ولا نعبأ بأي تحولات أو تغييرات طالما ماضون في الثبات على القيم، محافظون بعون من الله على رأس المال الاجتماعي.