نقاش يطول أو يقصر وينتهي بأصحابه إلى حال كان مبدؤه أفضل، وربما إلى حده.. خبر يقال أو حكمة فإذا بك تسمع ردًا بعيدًا عما قيل.. شخصٌ يذكّر أو ينبه لأمر فإذا الرفض وإذا الحجج تنهمر ضده.. تبدأ موضوعًا ويأتيك كلام في موضوع غيره.. تسأل وتسمع شرح ما لم تسأل عنه وما لا صلة له بما غمض عليك.. بعض حواراتنا تمضي إلى غير فائدة وربما إلى عكس ما يتوقع وإلى غير ما ينبغي أن يكون بين عقلاء ينفضون أحسن مما اجتمعوا، فلماذا؟
ليس قليلا، بل هو في ازدياد لا يوصف بالندرة بل بالكثرة أن تحكي رأيًا أو خبرًا أو أي شأن، مع فرد أو في جماعة، ثم تجد من يرد في غير ما دل كلامك عليه وربما في رده مسحة عتاب أو سخرية أو تقليل من شأنك أو الإنكار.. ومرات تجد في الرد دفاعًا عن قائله وعن رأيه وحاله مع أن كلامك ليس فيه ما يمس أحدًا.. وكثيرًا ما يبدؤك غيرك بالتعليق مقاطعًا قبل أن تنتهي، والإنسان يحتاج لحظات ليستوعب ما سمع قبل أن يرد، فكيف يكون قبل ذلك تعليق سريع وحتى من قبل اكتمال الكلام؟
لعل الواقع وتفسيره هو العجلة في أخذ الأمور فيحصل تصورها مشوهًا مختلفًا، وهذا من الظن الذي لا يغني من الحق شيئًا ويندرج فيما يمكن أن يسمى ثقافة الارتداد، وهي تشبه ما جاء في الذكر الحكيم بقوله جل جلاله: «إذ تلقّوْنه بألسنتكم»، أي كأنما يرتد الكلام على اللسان دون أن يمر بالعقل، فيحصل سوء تفاهم لا أصل له.. التأني في الفهم ثم المناقشة عن الكلام لا عن صاحب الكلام، وبهدوء وعدل وعن علم، هو الحق وهو الخير وهو النضوج.