رؤية أسامة عجاج
الزمان:
الليالي العشر من شهر رمضان المبارك...
المكان:
مكة أطهر بقاع الأرض، وأحب المدن إلى رسولنا الكريم.
الحدث:
استثاني فهي المرة الأولى التي تستضيف -ومن غيرها يستطيع ذلك- السعودية، خلال يومين ثلاثة من القمم، خليجية وعربية وإسلامية.
الحضور:
قادة الدول الإسلامية.
المراقبون: ملايين من المعتمرين في قلب الحرم الملكي الشريف، يقضون الليالي العشر الأخيرة من رمضان هناك، بين الصلاة والصيام والقيام وتلاوة القرآن والدعاء إلى الله، أن يعم الأمن والسلام على العالم كله وفِي القلب منه العالم الإسلامي.
جدول الأعمال:
مناقشة التحديات التي تواجهه الدول الإسلامية والتطورات الأخيرة، خاصة قيام إيران باستخدام أذرعها في المنطقة، لتنفيذ أجندتها من ناحية، واستهداف السعودية ووصل الأمر إلى الهجوم على مكة، حيث استطاعت الدفاعات الجوية السعودية اعتراض بعض الطائرات المسيرة لجماعة الحوثي، وخاب كيد الكائدين.
أذرع إيران في المنطقة
المؤتمرات الثلاثة عليها أن تواجه لحظة الحقيقة، بعد أن حل زمن الحساب، فخلال الـ٤٠ عامًا الماضية، وتحديدًا منذ قيام ثورة الخميني في إيران في فبراير من عام ١٩٧٩،وحتي الآن، لم تشهد المنطقة استقرارًا، ولا أمنًا، والعنوان الأكبر هو حكم الملالي في طهران، حيث بدأوا بصدام مبكّر مع الولايات المتحدة، بأزمة احتجاز الرهائن الأمريكيين في سفارتهم بطهران، وبعدها دخلت في حرب الخليج الأولى مع العراق، واستفادت من غزو صدام للكويت، ومن عمليات عاصفة الصحراء، رغم أنها لم تشارك فيها، وتحكمت في مفاصل الدولة العراقية بعد سقوط صدام، ودانت لها الأمور بعد سقوط نظام طالبان في أفغانستان، فقد انزاح من طريقها - بدون أن تبذل أي جهد- ألد أعدائها، مما مهد لها الطريق أمام مشروعها التوسعي، فاتخذت من العراق قاعدة انطلاق، ومنه إلى لبنان، وسعت إلى تشكيل أول وأهم أذرع لها في المنطقة، حزب الله، ودخلت في تحالف إستراتيجي مع سوريا، وكانت أزمة اليمن في فبراير ٢٠١١ فرصة ثمينة مضافة، حيث امتد ذراع جديد لها وهو جماعة الحوثي في اليمن، التي انقلبت على شرعية الرئيس عبدربه منصور هادي، وفِي الطريق تدخلات في البحرين ومحاولات التدخل في شؤون دول الخليج، واستثمرت بشكل هائل ثورات الشعب السوري بتدخل سافر لدعم بشار الأسد، وبدأ زمن الاستعلاء الإيراني والاستكبار الإقليمي لطهران، فسمعنا أحد كبار مسؤوليها يتبجح قائلًا، إن بلاده «تسيطر على مقادير أربع دول عربية» حددها بالاسم العراق ولبنان وسوريا واليمن «وآخر يزهو مفتخرًا، بأن بلاده أصبح لها موطأ قدم مطل علي البحر الأحمر -عن طريق جماعة الحوثي- والبحر الأبيض ـ عن طريق حزب الله، والوجود في سوريا- حتي جاءت الأزمة الأخيرة، التي نعيش وقائعها بتطور في كل ساعة.
ثمن الاتفاق النووي
كانت هذه المقدمات التي أدت إلى الحالة التي نعيشها، حيث تدفع المنطقة ثمن الاتفاق النووي، الذي خرج على مقاس مجموعة خمسة زائد واحد، ويتوافق مع مصالحها، في تقييد وتأجيل البرنامج النووي، دون أن تعطي الوقت أو الفرصة لمناقشة ملف لا يقل أهمية، وهو المتعلق بالدور الإقليمي التخريبي لإيران، ولم تلتفت للمطالبات التي ظهرت أمامها بضرورة مشاركة السعودية ودول من المنطقة في المباحثات، خاصة أنهم من يكتوون بهذ الدور الذي زاد وتفاقم، بعد أن حصلت على المكافأة، برفع العقوبات الاقتصادية عنها، ولم يقرأ الملالي في إيران جيدًا وصول الرئيس الأمريكي رونالد ترامب إلى البيت الأبيض، بسياسات مختلفة وآليات جديدة، ويكفي أن نتوقف عند التصعيد المنظم والمنفذ وفق خطة محكمة، ففي الشهر الماضي، أعلنت واشنطن الحرس الثوري جماعة إرهابية، وهي المرة الأولى التي تستخدم فيها الولايات المتحدة هذا التصنيف ضد مؤسسة حكومية أجنبية، وتعاقبت الإجراءات ومنها انسحاب أمريكا من الاتفاق النووي، وإلغاء الإعفاءات النفطية لإيران، ما يعني حظر تصدير النفط الإيراني عمليًّا، ترافق ذلك مع تعزيز الوجود الأمريكي العسكري في المنطقة، وجاء رد إيران بتأكيد قدرة قواتها على التصدي لأي هجوم عسكري أمريكي، كما أنها هددت بالانسحاب من الاتفاق النووي الموقع في ٢٠١٥، إن لم تتمكن من تصدير نفطها وحماية قطاعها المصرفي من العقوبات الأمريكية، والهدف من كل ذلك أمريكيًا فرض «أقصى درجة من الضغط» على إيران لإرغامها على إعادة التفاوض على برنامجها النووي.
حكمة السياسة السعودية
إيران بدورها استنفرت أذرعها في المنطقة، حيث تمثل التصعيد في الساحة العراقية بإطلاق قذائف صاروخية على السفارة الامريكية في المنطقة الخضراء في العاصمة بغداد، واستهداف أربع ناقلات في الفجيرة بدولة الإمارات، وتكثيف هجمات الحوثي، ووصلت الأمور إلى حافة الهاوية. والسيناريوهات كلها مطروحة بعد زيادة الوجود الأمريكي العسكري في المنطقة، إذًا نحن أمام حرب مجنونة عبثية، وهنا تظهر السياسة الحكيمة للرياض، من خلال تأكيد مجلس الوزراء في اجتماعه الأخير التزام الرياض بخيار السلام، وأنها لا تسعى إلى غير ذلك، وستفعل ما في وسعها لمنع قيام أي حرب، وأن يدها دائمًا ممتدة للسلم، وتسعى لتحقيقه، وترى أن من حق شعوب المنطقة بما فيها الشعب الإيراني أن تعيش في أمن واستقرار، وأن تنصرف إلى تحقيق التنمية. وهي إشارة مهمة للعامل المهمل في المعادلة، الذي يدفع ثمن العقوبات الأمريكية وتأثيرها المدمر علي الاقتصاد، حيث فقدت العملة الإيرانية ٦٠ بالمئة من قيمتها، مع توقعات بوصول نسبة الانكماش الاقتصادي هذا العام إلى ٦%، ونسبة التضخم إلى ٤٠% ، وهذه الأرقام قبل الإجراءات الأمريكية الأخيرة والتي استهدفت قطاع التعدين الإيراني، مما يعني إمكانية زيادتها.
نحن أمام فرصة ذهبية لموقف إسلامي داعم للسعودية، ضاغط علي إيران، للاستماع إلى صوت العقل، والمطلوب فقط وقف تدخلاتها في الشؤون الداخلية لدول المنطقة والعالم، وأن تنهي أحلام الغطرسة والهيمنة، وتصدير الثورات، واستنساخ النموذج الإيراني البائس، والاهتمام فقط بشؤونها، فهل تفعل؟ أتمني..
كاتب سياسي مصري
مدير تحرير الأخبار