الدورات الكروية في رمضان تقليد راسخ في ذاكرة الأجيال.. حكايات هذه البطولات أثيرة ومشوقة، لكنها حين ترتبط بالصحافة وأيامها تكتسب بعداً مختلفاً، ومذاقاً آخر.. أتحدث هنا عن (دورة المدينة الرمضانية الأولى)، تلك التي نظمناها قبل ثلاثة عشر عاماً.
أتذكر.. ظهيرة يوم صحفي مزدحم من أيام شعبان.. نظر إليّ حجي جابر نظرة ذات معنى، ففهمت الرسالة ووافقتُ.. ثم بدأنا التحضير للمشروع. كنا في صحيفة المدينة، بمكتبين ملتصقيْن.. وقلبين كذلك.. كنا في القسمين الثقافي والإسلامي تحت إشراف مدير التحرير عبدالعزيز قاسم حينها، وكان من حظنا أن قاسم أحدُ الغاوين.. المولعين بكرة القدم، كان له تاريخ قديمٌ معها في نادي وج الطائفي، في القرون الوسطى، أو قريباً منها.
كنا قد بدأنا مشروع كرة القدم الخاص بأعضاء الصحيفة قبل شهور من ذلك، ولاحظنا حماس الزملاء في الحضور والمشاركة (حتى لو بالنية الطيبة فقط).. وساطاتُ عبدالعزيز قاسم وعبدالله فلاتة فتحت لنا أبواب نادي الاتحاد كلَّ اثنين.. فخِلنا أننا سنعيد مجدَ العميد وسنين بهجا والسويد وجبرتي.. كل اثنين..!!
قررنا أن ننظّم بطولة رمضانية باسم صحيفة المدينة، تشارك فيها أقسام الصحيفة (التحريرية والتنفيذية والإدارية والتسويقية). شارك كل قسم بفريق، واتحدت بعض الأقسام، وسمحنا بمحترف واحد من خارج الصحيفة.. وحين وزّعنا جدول البطولة بدأتِ الاتهامات مباشرةً للجنة المنظمة التي ضمت قائمتها: حجي وعادل خميس فقط!!
سرى الحماس في العروق، وبدأنا نشعر به في ردهات الصحيفة وأقسامها.. أعلنَ قسمُ التصحيح التحدي، فرد القسم الرياضي بثقةِ المتخصص، ثم جاء ردي شعراً أرسلته عبر مجموعة البريد الإلكترونية الخاصة بالصحيفة، فتحولت المنافسةُ إلى معركةٍ شعريةٍ وأدبية مكتظة باستعارات التحدي والمناوشات الأخوية الساخرة.. انتهت هذه المعركة بإغلاق المجموعة، وحين سألنا المهندس عن سبب إغلاقه لها، رد بحزم: السببُ استخدامكم السيئ!!
فنقلنا التنافس لأرض الميدان..
وهناك ظهرت مواهب الشباب؛ المدفون منها والمضغوط؛ غطى أنور السقاف دفاع فريقه كما فعل مع تحقيقاته الشهيرة في المحليات، ورسم خيرالله زربان خطة كروية بريشة فنان تشيكيلي أنيق.. أتذكر أننا اكتشفنا موهبة سعود المولد، كما اعتادت عدسته اكتشاف اللحظات المناسبة، ومهند كمال الذي أرهقَنا بخبرته في الصحافة الرياضية.. ولن أنسى فهد الشريف، واعتزاله بعد نهاية المباراة الأولى.. وقد كان اعتزالاً يليق بمثقف..
تحولت البطولة إلى مناسبة يومية ننفض عنها تعب الصحافة وغبارها، نجتمعُ لنناقش ونضحك، لنتحدى ونبالغ في الصراخ، ونمارس القليل من كرة القدم.. قاد نعيم الحكيم رابطة المشجعين لفريق (الثقافي/الإسلامي)، وأدار بندر بخاري (من التنفيذ) الاستديو التحليلي المباشر من أرض الملعب.. كما تحوّل علي طالب -بقدرة قادر- لسمسار لاعبين..
كانت بطولة كروية.. وأكثر..
أذكرُ من نجومها (من منسوبي الصحيفة) -غير من ذكرت- طلال الجدعاني، خالد صائم الدهر، أحمد جابر، فهد زيدان، هشام فرج، سمير خميس، محمد باعاصم، طارق مصطفى،' طارق متولي، وليد الحارثي، نواف الصيعري، وليد الصبحي، العم سعيد، أحمد حجازي، عبدالغفار شريف، بكري القرني (رحمه الله)، سعيد الزهراني.. وآخرين.
تأهل فريقنا للنهائي بأعجوبة، وبأمور أخرى..
اقترح علينا حجي جابر أن نستعين بمشروب الطاقة (البورهورس).. تحمّس شيخنا عبدالعزيز قاسم للفكرة، ففعلنا، وحصدنا البطولة.. ونجوْنا من لجنة المنشطات.. وفضائحها!!
عبدالله فلاتة -رئيس القسم الرياضي ونجم هجومه- اعترضَ كثيراً، وعـدَّ حصولنا على الكأس أمراً دُبّر بليل.. رغم أن الحَكَمَ حَكَمُه.. والاتحادَ اتحادُه.. لكنه فرحَ معنا كالبقية، وخلَّدَ البطولةَ وذكرياتِها على صفحة من صفحات الرياضة.
بعد البطولة أصبحنا نعرف بعضنا أكثر، أثثنا الزمان بذكريات مشتركة، ولحظات أخوية خالدة، ظلت معنا حين افترقنا.. حين امتصتنا دروب الحياة بعيداً عن المدينة.. وأيامها التي لا تنسى!
دورة « المدينة» الرمضانية: معلّقات.. ومنشطات.. وحكايات أخرى!!
تاريخ النشر: 30 مايو 2019 01:00 KSA
A A