.. وهو قائم يصلي في المحراب، نادته نوازع الرماد إلى الانعتاق مما هو فيه، وليكون «المشطور» نصفين: شطر قائم له خوار وآخر تجاوز الأزمنة والأمكنة قد لا يرتد إليه طرفه بعد أن أضاع علم الكتاب..!!
****
.. هنا ساحة للتباريح والتراويح والسوانح والسوارح وما أخذت الريح واستقسمت النصب..!!
****
.. في أول جمعة من رمضان، استهدى خطيب المسجد قدوم سيد الشهور: بتقوى القلوب وصفاء الروح ووجوه تغشاها الأنوار.. وفي أول جمعة من شوال، صاح في المحراب: ويلكم، استمسكوا ببقايا أرواحكم ولا تذهبوا فتذهب ريحكم..!!
****
.. لعل الخطيب، ولعلنا مثله ندرك حجم النقائض في سلوكياتنا وممارساتنا ما بين زمن وزمن.. وتظل فوارق التوقيت هي الخط الفاصل ما بين خشوع المهتدي المنكسر ونوازع البواح في البشر..!
****
.. فقط في رمضان ونحن لم نكد نغادر أفياءه بعد، سلوكياتنا مختلفة الزوايا والأبعاد، ما بين التبتل المنقطع والفضاء المنفتح، ما بين نساك النهار ومن شاؤوا الا يكونوا عبَّاداً بالليل.. كلاهما استبقا الباب، ولا تدري أيهما قدَّ ثوب الطهر الرمضاني..؟!!.
****
.. في الجمعة، في الأعياد، في سوانح مناسباتنا الإسلامية، تتقمصنا أرواح ملائكية، وتفيض أنوار قدسيتنا في السكك.. وحين تذهب، فلوجوهنا في المرايا ملامح أخرى لا تشبه ملائكيتها وتكاد تنفصل عن قدسيتها وتتجافى عنها إلى بشرية الواقع بكل خطاياه ومداركه.. وتتساءل في ذهول: هل نحن أولئك؟!.
****
.. هل تحولت حالة التدين في المناسبات إلى ما يشبه الظاهرة لتصدمنا بعدها عشرات المشاهد المنفصلة عنها والمناقضة لها؟!.
****
.. القضية في نظري ليست قضية وجوه وأقنعة ولا تمرد الذات والروح أو تعمد الانفصام ما بين السلوكين والحالين.. ولكنه تجافٍ عن الفهم الأصيل لحقيقة الدين والطبع البشري.. وهذا يورث الغلو والانفلات..!
****
.. من المؤكد أن هناك منطقة وسطى لم نصل إليها بعد أو لا نريد أن نصل إليها ونتقبلها ونقبل بها..!!
****
.. هذه الوسطية هي من يحقق التوازن القويم للسلوك الإنساني مهما اختلفت الأزمنة والمناسبات..!!
****
.. «تيريزا ماي».. رئيسة وزراء بريطانيا قالت كلاماً جميلاً في هذا المعنى، وتناقله الناس بإعجاب.. وبعيداً عن رسالتها للداخل البريطاني أو تحسين الصورة في العالم الإسلامي، فإنها شهادة لا نهملها وهي من المعاني الجميلة في عمقنا الديني.. وحين نتوارى عنها يحدث الاختلال وتتخطفنا الطير وتهوي بنا النقائض في مكان سحيق!!.