تلقيت خبر وفاته بعد صلاة الجمعة مباشرة خارج المملكة فاحتبست الدموع في عيني وشعرت بفداحة الخبر وتوجهت إلى القبلة: يارب استجب لي ما أعجز عن قوله، فأنت أعلم بكل دعوة تحتبس في قلبي لأخي الذي لم تلده أمي الصديق الوفي فقيد الوطن معالي الأستاذ الدكتور عبدالإله باناجة الذي رحل إلى الرفيق الأعلى وجعل خاتمته في يوم الجمعة (خير يوم طلعت عليه الشمس، فيه خُلق آدم وفيه أُدخل الجنة.. الخ)، وفي الجمعة ساعة تفتح أبواب السماء، هنيئاً له هذه الخاتمة فأراد الله أن يبلغه أقصى الغايات في الحياة وفي الممات.
في آخر لقاء لي معه في شهر شعبان توقفنا على محطتين الأولى عن نمطية خطبة الجمعة وبعض الطقوس التي تفرغ العبادة من حكمتها وتحولها إلى مجرد عادات وتقاليد تؤدى بمنتهى العفوية، والأمر الآخر عن ديننا العظيم الذي يعلن الحرب دوماً على الفقر والجهل والمرض وأنه لا توجد ديانة في الدنيا شجعت على العلم كلاً من الرجل والمرأة على السواء كما شجع عليه الإسلام، وهو دين العزة والكرامة والرجولة ومن أعدى أعدائه الذلة والخنوع والرياء.
أخبرني شقيقه الدكتور عصام حرص حبيبنا يرحمه الله على أن لا يتوقف ابنه عبدالعزيز عن الدراسة العليا في الخارج مهما استدعت حالته الصحية ذلك، ومع ذلك كان الدكتور عبدالعزيز لا تنقطع زياراته المتكررة ويطلب منه سرعة العودة لاستئناف الدراسة، وفي الشهرين الأخيرين كان بجواره طوال الوقت والسيدة أم عبدالعزيز التي قدمت كل ما في وسعها في خدمته ومرضاته.
وعزاؤنا للسيدة الدكتورة وفاء اليافي ولابنه الأوحد الدكتور عبدالعزيز يحفظهما الله ولشقيقيه الأستاذ عبدالله والدكتور عصام وشقيقتهما إيمان ولصهريه ولآل اليافي جميعاً وآل باناجة ولجميع أصدقائه ومحبيه ونسأل الله أن يعوضهم جميعاً على فقده ويربط على قلوبهم.
لقد كان رجلاً خلوقاً عفيفاً، ذا حس إنساني مرهف فضلاً عن أنه أستاذ جامعي قدير ومتميز يشهد له طلابه وطالباته وكل من عمل معه في ميدان العلم والثقافة وحقق إنجازات يصعب الحديث فيها في هذا الحيّز الضيق وفي طليعتها العمل الأكاديمي والإداري والشورى.
رحمه الله رحمة الأبرار وجمعنا به في مستقر رحمته، وأنزله منازل الصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقاً. طبت حياً وميتاً أيها الرجل النبيل.