تعجّب مني بعض الأحبة حين تحدثتُ في مقالي السابق عن تأثير الأفلام علي لحد البكاء، وتندروا مني ومن أخذي للدراما بجدية مبالغ فيها، لذلك أجدني مضطراً اليوم إلى التأكيد على أني –بحكم بشريتي وعاطفتي المرهفة- كثيراً ما بكيت وأبكي. كما أضيف أني أعد هذا سبباً من أسباب المتعة لدي.. أي أن أبكي.. وقد يكون هذا أحدَ معاني ما ورد في قصيدة لي بعنوان (مستحيلات ممكنة)، ولعله أحد معاني الحياة...
حين قلت:
«ويحدثُ أن يكونَ العمرُ أغنيةً
نغنـّـيها..
ونسهرُ في
ضواحيها..
ونبكي.. حين لا نبكي
على أشهى أمانيها»
أن تبكي في فيلم.. يعني أن تدخل أنت -وحياتك كلها- لتكون تفصيلاً مهما في السيناريو الذي تشاهده. لذلك سأكون صادقاً معكم وأقول إني دائماً ما أبكي.. بكيتُ حين لم يجد وَيْل سميث وابنه مكاناً ينامان فيه غير دورة المياه الخاصة بمحطة القطار، في فيلمThe Pursuit of Happyness (مطاردة السعادة). كما بكيت قبلها بتأثّر على موت البطل في الفيلم الشهير (فيلادلفيا)، أعني الدور الذي أداه توم هانكس باحترافية معتادة. وفي فيلم حديث بعنوان The Mercy (الرحمة) يحكي قصة حقيقية لرجل الأعمال البريطاني دونالد كروهيرست الذي أقنع العالم في العام 1968 أنه سيطوف العالم وحيداً بقاربه الخاص ليفوز بجائزة سباق القولدن قلوب الذي تنظمه السندي تايمز، لكنه –رغم تزويدهم بأخبار مغلوطة- تاه في البحر وانتهى به الأمر إلى الانتحار، عند مشاهدة هذا الفيلم أذكر أن الزوجة المكلومة (ريتشل ويز) اتهمتِ الإعلام بأنهم هم من قتلوا زوجها (كولين فيرث) حين صوروا له أنه بطل يمكن أن ينجز المهمة المستحيلة.. أذكر أيضاً أن حديثها ذاك أبكاني!!
وموت الأبطال –كما تعلمون- مادة دسمة دائماً لاجتراح ماء العين..
أذكر تماماً كيف حوّل موت بطل فيلم Star Is Born(ولادة نجم) قاعةَ السينما في دبي مول إلى حفلة نشيج جماعية كان برادلي كوبر هو المايسترو المحرّك لها. ولعل من شاهد فيلم Trumbo الذي يحكي أزمة الكاتب دلتون ترمبو (قام بدوره برايان كرانستون) وباقي كتاب القائمة السوداء في خمسينيات القرن المنصرم، أولئك الذين اضطروا للعيش في الظل والعمل بأسماء مستعارة لسنين، لن ينسى كلمات بطله المؤثرة في لقاء تلفزيوني، حين قال ودمعه يختلط بأدمع المشاهدين:
«أعتقد أني سأهدي الأوسكار إن حظيت به لابنتي ذات الـ 13 عاماً.. أعتقد أني سأقول لها: هنا واحد من الأسرار التي لم يعد علينا أن نحمل عبئه.. سأقول لها: لقد استعدنا أسماءنا من جديد».
ويمثل أداء دنزل واشنطن العجيب في فيلم John Q نافذة مفتوحة للتأمل والتأثر والبكاء، خصوصاً عندما يصل الفيلم لقمة توتره في اللحظة التي يعلن واشنطن أنه سينتحر لكي يتبرع بقلبه لابنه المريض، في عملٍ ملهم يوجه الاتهام للزمن الذي جعل من مستوى الدخل معياراً لإنقاذ حياة طفل من عدمها.
كان لجدّتي –حفظها الله- عادة غريبة، لطالما «تندرنا» عليها..
فقد كانت -ولا تزال- متابعةً لمسلسلات القناة الأولى -ثبتها الله -، جدتي مذ عرفتها تحرص على متابعة مسلسلات قناتنا الأولى، وتبكي.. دائماً ما تفعل ! ندخل عليها أحياناً، ونضحك...
نقول لها:
- يا جدة ليش تبكين .. هذا كله كذب؟
فترد رافضة:
- إلا.. والله إنه صدقٌ..!!
نتركها في رشدها.. ونذهب في غيّنا..!!
فجدتي حكيمة؛ تدرك أن كل ما يحدث في هذه الأفلام حقيقي جداً، وصادق كذلك... أصدق أحياناً مما نعيشه واقعاً! لذلك نبكي! لذلك تختار الدمعة -في لحظة ما من فيلم ما- أن تقف على شرفة العين.. ثم تنتحر..!!