لا يخفى على الجميع الظروف الصعبة التي تعاني منها الصحافة الورقية خلال السنوات الحالية، ليس فقط على المستوى المحلي بل والعالمي إذ توالت نداءات الاستغاثة والاستنجاد من تلك المؤسسات الصحفية عبر السنين الماضية، على أمل أن تجد مَن يعينها أو ينقذها من أزمتها دون حراكٍ ملموس يُساهم في إنقاذ تلك الصحف من الأوضاع الحرجة التي تمر بها، والمتمثلة في ضعف الموارد المالية لتلك المؤسسات، مما حدا بـ(صحيفة الغارديان)، وهي إحدى أعرق الصحف العالمية، إلى طلب المساعدة من قرائها على نحو غريب، ولما لتلك الصحف من مكانةٍ في نفوس القراء، فقد بادر أكثر من مليون شخص إلى تقديم المساعدة.
بعض تلك الصحف الورقية لم يتمكَّن من الصمود، فأغلق أبوابه، وبعضها ركب موجة التقنية، وانتقل إلى الصحافة الرقمية، وودَّع الصحافة الورقية، وبعضها لا يزال صامدًا في وجه التحديات المالية الضخمة التي يتعرَّض لها، على أمل أن يأتي الفرج من مكانٍ ما، فتنتهي الأزمة وتعود الصحف الورقية إلى مكانتها الطبيعية على الساحة الإعلامية، ولكن في خِضَم هذه الأزمة، وفي الوقت الذي تُجاهد فيه تلك المؤسسات الصحفية لتبقى حية لأطول وقت ممكن، نجدها تتعرَّض لأزمةٍ جديدة بعد أن انتشر في وسائل التواصل الاجتماعية خطابًا وجَّهته شركة التوزيع بإيقاف توزيع الصحف الورقية في عدة مدن ومحافظات بالمملكة، مرجعة ذلك القرار إلى ارتفاع التكاليف مقابل انخفاض الإيرادات، إضافةً إلى عدم تحمُّل المؤسسات الصحفية لتكاليف تشغيل تلك الفروع، مشيرة أيضًا إلى أن الصحافة الإلكترونية ساهمت في ضعف الإقبال على الصحف الورقية.
في الوقت الذي كانت فيه تلك المؤسسات الصحفية تسعى إلى مَن يساهم في إنقاذها من محنتها، ويعينها على أزمتها، ويُفرِّج عنها كُربتها، وما هي فيه من ظروفٍ مادية صعبة، فإنها تفاجأ بأزمةٍ جديدة وصفها البعض وكأنها (القشَّة التي قصمت ظهر البعير)، أو كأنها (المسمار الأخير في نعش الصحافة الورقية)، إذ أكَّد قرار شركة التوزيع معاناة الصحافة الورقية وعدم تمكُّنها من الوصول إلى حلولٍ مستدامة تساهم في إنقاذها من الأزمة المالية التي تُعاني منها جراء تراجع مبيعات الصحف الورقية واشتراكاتها من جهة، وضآلة الإعلانات المنشورة فيها من جهةٍ أخرى، وذلك بسبب اتجاه العديد من الشركات والمؤسسات نحو الإعلان الرقمي وفي وسائل التواصل الاجتماعية.
للمؤسسات الصحفية الورقية إرثٌ كبير وتاريخٌ عريق ومحتوى غني فريد لا يمكن أن تجده في غيرها من المؤسسات الإعلامية، وكل ذلك كنزٌ يجب على المسؤولين عن تلك المؤسسات إعادة النظر إليه وتطويره بما يتلائم مع الوسائل التقنية الحديثة من جهة، ويجذب المعلنين والأجيال الشابة من جهةٍ أخرى، والتي لم تَعُد تُؤمن إلا باللغة الرقمية والإعلام الرقمي.