تكتسي محافظة رجال ألمع ـ كعادتها كل عام ـ حلّة خضراء ، تتخللها جداول المياه المنهمرة من سفوح الجبال إلى بطون الأودية، لترسم للمشاهد لوحة ربانية بديعة، تميزت بها تلك المحافظة عن غيرها من محافظات منطقة عسير، حيث تتربع قرى رجال ألمع على جبال شاهقة يزيد ارتفاعها عن 1800 متر عن مستوى سطح البحر الأحمر .
وأصبحت " رجال ألمع " وجهة رئيسية للمصطاف والزائر لمنطقة عسير خلال هذه الأيام ، فلا يكاد المشاهد أن يفرّق بين جبالها وسهولها وأوديتها بعد أن أنعم الله عليها بهطول أمطار غزيرة منذ شهرين ماضيين ، حتى تحولت أوديتها وشعابها إلى عيون جارية بالمياه العذبة، مما جذب لها آلاف الزوار الذين يحرصون على الاستمتاع بطبيعتها الخلابة وسط ترحيب الأهالي واحتفائهم بكل زائر للمحافظة. ولم تكن الأمطار الغزيرة التي هطلت على رجال ألمع سبباً في إنعاش الأرض البكر فقط ، بل أنعشت ذاكرة كبار السن من سكان تلك الجبال التي تشتهر بالمدرجات الزراعية، فعادوا لتجربة الزراعة والحرث بالطرق التقليدية القديمة مستخدمين "الأبقار" المدربة على الحرث، والأدوات التقليدية القديمة كالجهاز وهو من أدوات الحرث المعروفة في مختلف المناطق، و"المضمد" الذي يوضع لجمع " ثورين " حول بعضهما واستخدامهما في حرث المزارع الصلبة وزراعة المنتجات المحلية من البُرّ والذرة والشعير وغيرها. وتبدأ رحلة الزائر إلى محافظة رجال ألمع انطلاقا من مدينة أبها عبر طريقين رئيسيين أحدهما يربط مدينة أبها بمحافظة رجال ألمع من الجهة الغربية وذلك عن طريق "عقبة الصماء" التي تبعد حوالي 40 كيلومترا، مروراً بوادي "العوص" الذي تتوزع في جنباته مزارع "الذرة المحلية" و"الدخن" وبعض المنتجات الزراعية الأخرى مثل الخضروات الطازجة والنباتات العطرية التي تشتهر بها المحافظات التهامية ، ثم "الشعبين" وهو المركز الإداري الذي تتجمع فيه الإدارات الحكومية والحركة التجارية الدؤوبة، والطريق الآخر من الجهة الجنوبية الذي يشق الجبال بعدد من الأنفاق التي يتجاوز طول أحدها 1000 متر مما جعله من أطول الأنفاق في المملكة ، ويربط الطريق محافظة رجال المع بمحافظة الدرب التابعة لمنطقة جازان وعقبة ضلع المؤدية إلى مدينة أبها من الجهة الجنوبية.
وحين يصل الزائر إلى رجال ألمع يتجول شمالاً وجنوباً بين مراكز وقرى المحافظة ليجد أمامه مساحات بصرية خضراء تتوزع بين جبال "قيس" و"صلب" و" بني جونة"، وهي من الأماكن المشهورة بالمناظر الخلابة والطبيعة الساحرة، يحاذيها من الجهة الغربية قرى "جبل غمرة" و"جبل المدرقة" التي توشحت برداء أخضر تتخلله مدرجات زراعية على الطريقة التقليدية . وقبل الصعود لهذه الجبال الشاهقة المغطاة بالغابات الكثيفة يمكن التجول والاستمتاع بالأودية التي تحاط بغابات من أشجار" السدر" و"الجميز" و"الأثب"مثل أودية " رُجال" و"رحب" و"الصليل"و"الميل" و"راده" و"محلية" و"العاينه، و"ريم " .
ووسط هذه الغابات يجد الزائر أو السائح متعة الاستماع لموسيقى الطبيعة التي تتشكل من زقزقة طائر "السنونو"، و" القمري" و "الحمام البري"، ممزوجة بخرير المياه المتدفقة من الشلالات الصغيرة التي تخترق مرتفعات شاهقة من الأودية والجبال نتيجة كثافة الأمطار. ويتشكل الغطاء النباتي في رجال ألمع من أنواع كثيرة منها أشجار " الضهياء" و " السيال" و" القرض" و" السلام" " والغلف" و" الوشايه" و " التين الشوكي" إضافة إلى شجر" العتم" وهو نوع من الزيتون البري. يذكر أن محافظة رجال ألمع تشتمل على عشرات القرى والبلدات العريقة في التاريخ ، ويقدر عدد سكانها بأكثر من 65 ألف نسمة، وتشتهر بجمال الطبيعة والآثار التي تتوزع في قراها، من أبرزها قرية "رُجال" التي تستعد حاليا لتسجيلها ضمن قائمة التراث العالمي في "اليونسكو"، حيث عُرفت ببنائها الهندسي البديع وبقصورها التي يبلغ ارتفاعها ستة طوابق وربما تزيد، كما تتميز بتلاصقها المثير على مساحات صغيرة في ضفاف الوادي. كذلك يمكن للزائر أن يشاهد وسط جبال رجال ألمع ومن كل اتجاهاتها حصون تراثية ترتفع إلى عدة طوابق مبنية بالحجر الصوان بشكل كامل ومزينة بحبات من حصى " المرو"، إضافة إلى "القصبات الحربية" وهي مبان حجرية هُيئت على شكل مخروطي وتحتل مواقع إستراتيجية على رؤوس الجبال، وتوجد في جدرانها فتحات صغيرة كانت تستخدم لإطلاق الأعيرة النارية على الأعداء.