يربط الناقد العربي مراد عبدالرحمن مبروك بين الاتصال والنقد الأدبي، وذلك في مشروعه عن نظرية الاتصال الأدبي الذي أفرد له عدداً من كتبه وأوراقه العلمية.. وفي كتابه (علم النقد الأدبي ومعيارية الخطاب: دراسة في المفهوم) يأخذ خطوة إضافية حين يقترح مفهومه «علم النقد الاتصالي» الذي جاء -كما يرى- «امتداداً للنقد البنائي حيث اتجه النص في الآونة الأخيرة إلى إبراز دور المتلقي أو المستقبل للنص». ويرى مبروك أن التقارب بين العلوم والإنسانية والتطبيقية مؤخراً، نظراً لتطور وازدهار الدراسات في مجالي تكنولوجيا الاتصال والإعلام، كان عاملاً خلف بروز هذا المفهوم.
جاءت بداية هذا العلم على يد العالم اللغوي رومان ياكبسون ثم توسع مع اهتمام نظريات النقد بالنص الأدبي وعلاقاته مع المبدع والمتلقي.. لكن الملاحظ أن مبروك لا يفرق بين «التلقي» و»الاتصال» في هذا الجانب، فكثير من الدراسات التي يقترحها كأمثلة تناولت عملية التلقي في المقام الأول، من هنا لا يظهر أن مفهوم النقد الاتصالي يعني أكثر مما سبق وركز عليه مبروك حين تلمسَ الجوانب الاتصالية في مفاهيم ونظريات النقد قديمها وحديثها، ويفسر مبروك لهذا بأن علم النقد الاتصالي لا يزال في مراحله التكوينية، وهو ما يجعل الأعمال التي تتناوله نادرة وغير كافية.
ويمكن أن يكون مفهوم التلقي أكثر المفاهيم التي اهتم بها مراد مبروك خلال مشروعه التنظيري هذا، حتى ليخيل للمدقق في أعماله، أنه يقصد بمفهوم الاتصال مفهوم التلقي، لولا أنه أعلن أن هذا الأخير لا يحمل شمولية الأول.. ويرتبط مفهوم التلقي في النقد العربي القديم بمفهومي الرواية والانتحال كما يرى مبروك،
لذلك شدد النقاد الأوائل أمثال ابن قتيبة وابن سلام والأصمعي على أهمية تمحيص الرواية وإتقانها.. وبعد أن يستعرض مبروك جهود النقاد والبلاغيين العرب في محاولة تفسير ظاهرة استقبال الأعمال الأدبية ينتهي إلى أن اهتمامهم بهذه القضية، يعكس «إلى حد كبير إرهاصات نظرية الاتصال في تراثنا النقدي القديم، من حيث استحضار النقاد لشخصية المتلقي في نصوصهم النقدية». والحق أن التلقي لا يمثل إلا جزءاً واحداً من العملية الاتصالية، وقد تحدث النقاد بإسهاب عن الأجزاء الأخرى التي تتصل بالمبدع والرسالة الأدبية والسياق الذي تدور فيه.
وحين ينتقل إلى النقد الحديث، يواصل مبروك الربط بين الاتصال والتلقي، بدءاً من النقد الجديد الذي ساهم في وضع بعض الأسس المعيارية في عملية القراءة والتلقي، كما يشير إلى وقوف ياكبسون عند دور القارئ في النص عبر حديثه عن عناصر الاتصال، وإلى تطور نظرية التلقي وتفصيلها في دور القارئ وأنواعه ووظائفه، وصولاً إلى ما يدعوه روبرت هانز ياوس بأسس جماليات التلقي، ثم مساهمة فوفجانج آيزر الذي «رأى أن القارئ يجب أن يقوم بدور المشارك في إبداع العمل، وذلك باستكماله الجزء غير المكتوب من العمل، وهو جزء موجود في العمل ضمنياً».
إن تطور نظرية الاتصال الأدبي -كما يؤكد مبروك- مرهون باقترانها بتوسع الدرس النقدي في فهم وتأطير عملية التلقي، وإضاءة دور القارئ في التفاعل الأدبي؛ فقد كان اهتمام المناهج السابقة منصباً على المبدع أو على النص بعيداً عن الركن الثالث في العملية، رغم أن دوره لا يقل أهمية عنهما.. يقول مبروك: «ولعلنا لا نبعد عن الحقيقة حين القول إن نظرية الاتصال الأدبي التي نحن بصدد معالجة أبعادها ووضع أسسها وتراكيبها خرجت من معطف نظرية التلقي الآيزرية... لا سيما ما يتعلق منها بجانب التفاعل بين القارئ والنص أو ما أطلق عليه بالبنية الاتصالية للأدب الخيالي».
التداخل بين مفهومي «الاتصال» و«التلقي» في مشروع مراد مبروك
تاريخ النشر: 11 يوليو 2019 01:00 KSA
A A