خلق الله الإنسان وفضله على سائر مخلوقاته كما قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) (70) الأسراء والتفضيل هنا للإنسان لحفظ كرامته ونبذ الذل والقهر عنه.. بل إن هذا التفضيل ينحى منحاً آخر في الحقوق وتنفيذ الحدود لحفظ النفس الإنسانية حيث قال تعالى: (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ.. وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ) (45) المائدة فالآية تعنى بالقصاص وتتناول التعدي والايذاء للنفس الانسانية حتى ولو عن طريق الخطأ فهناك حدود أوجبها الشارع لضمان حماية الفرد من الظلم والاعتداء؛ كما أن الشريعة عنيت بدل القصاص بتحديد دية تُسلم إلى المجني عليه أو ورثته لترضيتهم؛ فلا يجوز الإضرار بالمسلم بأي لون وفي أي تعامل وألزمته الشريعة بالتعويض أو رد البدل عما تعدى فيه أو أتلفه.
وحينما نتحدث عن الايذاء يدخل في ذلك الحوادث التي تحدث نتيجة خطأ أو إهمال لأحد الأطراف على حساب الآخر.. وهي توجب التعويض «وهو بدل القصاص». وهناك قصص عجيبة عن حوادث يكون ضحيتها أناس لا يجدون من ينصفهم؛ ومن أمثلة ذلك تعرض مواطنة سعودية بجدة لحادث مؤسف عند إحدى البوابات لواحد من أكبر متاجر التسوق والذي لا يكاد يخلو حي أو شارع منه في مدن المملكة ويدر دخلاً ربما بالملايين في اليوم الواحد؛ حيث أغلق الباب الكهربائي عليها اثناء خروجها فسقطت وأصيبت بخلع في مفصل الفخذ ونقلت على إثره للمستشفى وعملت لها عملية إسعافية مؤقتة لإعادة المفصل إلى مكانه. ثم أعيدت للمنزل لتبقى ملازمة للسرير لشهر كامل حتى يتم إجراء العملية الجراحية وهي من أخطر العمليات.
المشكلة أن الكاميرا في المتجر قد صورت مقاطع للحادث وهي دليل على أن الباب الكهربائي به خلل مما تسبب في الحادث.. وكان هناك تواصل مع المسؤولين في المتجر مباشرة، وعن طريق أحد مواقع التواصل الاجتماعي لكي تبادر الشركة في تحمل مسؤوليتها اتجاه العميلة وتعويضها عن الضرر الجسدي الذي لحق بها.. ولحل المشكلة ودياً ودون اللجوء للقضاء.. وهو موقف إنساني يحتم على الشركة أخذ زمام المبادرة.. وكسب عملائها.
وللأسف أيضاً رفضت المستشفيات الحكومية إجراء العملية واعتذروا بأنه ليس لديهم الإمكانات المادية والبشرية لمثل تلك العملية! والمفروض في حالة اعتذارهم إعطاء المريض تقريرًا يتضمن دفع تكاليف العملية في أي مستشفى خاص وهذه أنظمة الدولة ولأي مواطن بتقديم الرعاية الصحية الكاملة له فميزانية وزارة الصحة بلغت أكثر من 75 مليار ريال عام 2018م. فإلى أين يذهب المواطن!؟ خاصة وأن تكلفة العملية في المستشفيات الخاصة تصل إلى مئات الآلاف من الريالات.
الشق الثاني من المشكلة: إن المواطنة وعائلتها كانوا بصدد السفر ولكن ظروف الحادث اضطرتهم لإلغاء الرحلة وقبل عدة أيام من السفر؛ وبالرغم من تقديم بعض الأوراق الثبوتية للحالة الصحية إلا أن شركة الطيران رفضت إعادة مبلغ التذاكر الذي يصل إلى أكثر من 15 ألف ريال وهي تذاكر عادية وغير مخفضة؛ بحجة أن التقرير الصحي لا يوضح تماماً الحالة الصحية، أو أنها لا تستطيع السفر أو الحركة..!! فكيف بخلع في الفخذ وتستطيع السفر!! خاصة أنها انتقلت إلى مستشفى آخر والمستشفى الأول يرفض إعادة التقرير.
إذن من يحمي المواطن من استبداد الشركات التي تستغل ظروفه وتتغافل عن حقوقه الإنسانية التي كفلها له الإسلام!؟ وأين وزارة الصحة من أعطائه حقوقه المشروعة نظامًا؟.