على طريقة سؤال البيضة والدجاجة؛ وأيهما سبق الآخر، تبدو إشكالية العلاقة بين النجاح والسعادة؛ ومن منهما يصنع الآخر؟!. الأغلبية الساحقة من البشر تميل إلى القول بأن النجاح المتزايد والمتلاحق هو من يصنع سعادة الإنسان، هذه قناعة رسخها فينا التعليم وأدبيات العمل والمثابرة والنجاح التقليدية.. لكن يبدو أن هناك من يؤمنون؛ بل يجزمون أن السعادة لابد أن تسبق النجاح، بل أنها أحد أهم شروط تحققه، وليس العكس!.
تبدو الفكرة للوهلة الأولى غريبة، وربما سخيفة كونها تخالف ثقافة متوارثة في وجوب الكدح لتحقيق النجاح ومن ثم السعادة.. لكن الأمريكية (ليزا والش) طالبة الدكتوراة وزميلتين لها أكدن في دراسة ترجمها أحد المواقع العربية أن النجاح يتحقق بعد الوصول إلى السعادة وليس العكس.. فالسعداء -في رأيها - أكثر رضا بحياتهم وبوظائفهم، وبالتالي أكثر ايجابية مما يعزز إمكانية نجاحهم في العمل.. كما أن الموظفين السعداء يتلقون دعمًا أكبر من زملاء العمل وتقييمات أداء أفضل من قبل رؤسائهم بسبب «تأثير الهالة» التي يصنعونها، حيث يؤثر الانطباع الإيجابي في أحد المجالات -مثل السعادة- على الرأي في مجال آخر -مثل القدرة على العمل-، وتورد الدراسة بعض الأدلة الأخرى على فرضيتها المقلوبة، حيث تقول إنها وجدت أن وكلاء المبيعات الذين لديهم نظرة أكثر إيجابية يحققون مبيعات بنسبة 37% أكثر من زملائهم الأقل إيجابية، وتؤكد على ارتباط وثيق بين السعادة والتميز في العمل، فالأشخاص المتفائلون يميلون إلى التفاني من أجل منظماتهم؛ كما أنهم أقل تغيباً عن العمل أو الاستقالة.
لا شك أن الأشخاص ذوو المشاعر الإيجابية أقرب إلى النجاح من السلبيين كونهم أكثر إنتاجية ومحبة للعمل، لكن هذا لا يعني أن الأشخاص غير السعداء لا يمكن أن ينجحوا، فقد حقق بعض المصابين بالاكتئاب نجاحات مذهلة لأسباب مختلفة مثل إبراهام لنكولن وتشرشل.. وبرغم أن الباحثة قد أوردت العديد من الأمثلة الجيدة للدلالة على وجود علاقة بشكل أو بآخر بين السعادة و النجاح الوظيفي .. إلا أنها لم تنجح من وجهة نظري في إثبات من منهما يسبب الآخر، ففي نهاية المطاف، قد يكون هناك متغير غير محسوب، يقلب المعادلة مثل الذكاء أو الاجتهاد والمثابرة، هو ما يؤدي إلى السعادة وإجادة العمل.
ختاماً.. وبعيداً عن إشكالية من منهما يأتي أولاً.. أعتقد أن النجاح والسعادة مرتبطان ومتشابكان جداً، لكنه ارتباط خادع!.. فكثير ممن اعتقدوا أنهم سيحققون السعادة بتحقيقهم للنجاح؛ صدموا بالفراغ بعد تحقيق أهدافهم.. وبالمقابل لاشك أنك تعرف أناساً يعيشون قمة السعادة رغم أنهم لم يحققوا أي نجاحات تذكر! ..المسألة -في اعتقادي- مرتبطة أكثر بالذات، والأهداف، والنظرة الذاتية للحياة، ولمفهومنا الخاص للسعادة.. صحيح أن كل إنجاز تتبعه بالضرورة موجة من السعادة، لكنها سعادة مؤقتة.. أما السعادة الحقيقية فهي شعور داخلي ينبع من قناعاتنا، من رضانا عن أنفسنا، من فلسفتنا، ومن نظرتنا الخاصة للحياة.. تلك هي السعادة التي قد يمتلكها عامل بسيط.. ويفتقدها أكثر رجال الأعمال نجاحاً!.