Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
أ.د. عادل خميس الزهراني

جرح الانفصال نازفًا من غسان كنفاني

A A
مثل انفصال الوحدة العربية عام 1961م، خيبةً جديدة في حياة العرب، بعد أن كان الأمل الذي أعادته الوحدة كبيرًا، لكنه تحول ليصبح في فترة قصيرة من ولادته جرحًا جديدًا، وانكسارًا جديدًا عبرت عنه الرواية العربية بطرق شتى، كما نجد عند أديب نحوي في روايته (متى يعود المطر).. ويظهر من عنوانها أثر الخيبة التي تتلخص في سؤال مضمونه: متى يعود المطر... لتعود الحياة لأمتنا. وعلى هذا الشكل تعبر الرواية عن الانفصال تعبيرًا مرًا بأشكال مختلفة، فبعضها يتطرق للوحدة بالرفض وبعضها بالنقد اللاذع وبعضها بالمعارضة. وظهرت أعمال كثيرة يلمع فيها بقوة ذلك الإحساس بالخيبة والانكسار، كما نجده في روايات من مثل (المنهزمون وشرخ في ليل طويل) لهاني الراهب، و(جيل القدر وثائر محترف) لمطاع صفدي، و(قلوب على الأسلاك) لعبدالسلام العجيلي. و(البرتقال المر) لسلمى الحفار وغيرها.

ويمثل غسان كنفاني مرحلة مهمة في تصوير الواقع الفلسطيني خلال فترة الستينات من القرن المنصرم، توجها بعدة أعمال لعل أهمها (رجال في الشمس) و(ما تبقى لكم) و(عائد إلى حيفا) وغيرها.. ظهرت رواية (رجال في الشمس) في العام 1963، لتتناول موضوع النكبة بصورة جديدة، تجعل من اللامبالاة سببًا مباشرًا في وقوع النكبة واستمرارها، لذلك فهي تمثل -كما يرى الناقد إبراهيم خليل- «مرحلة في قصص كنفاني تفصح عن وضع الإنسان الفلسطيني، وقد مر بمحنة الحياة في عالم لا يجد فيه إلا من يعانده ويشعره بالغربة». تتلخص الرواية في محاولة ثلاثة من الفلسطينيين القيام برحلة شاقة عبر الصحراء بهدف العبور إلى الكويت أملًا في الحصول على عمل، ويلتقيهم بعد فترة عصيبة من السير أبو خيزران (سائق إحدى سيارات الصهريج) ويوافق على نقلهم عبر الحدود داخل الصهريج ثم يتبين أن أبا خيزران يعاني من عجز بسبب إصابته بجرح في حرب سابقة. ويؤكد المستشرق الشهير آلن روجر أن هذا العجز «يعطي الأحداث اللاحقة طابعًا عبثيًا يضاف إلى الوضع المأساوي المؤلم الذي يحيط بالشباب الثلاثة داخل الصهريج».

يمر الصهريج من الحدود العراقية بأمان إلا أنه يتوقف في محطة الحدود الكويتية حيث تتأخر الإجراءات حين يأخذ موظف الجمارك في التهكم على أبي خيزران. تمر لحظات مميتة يفتح بعدها أبوخيزران الصهريج ليجد ركابه الثلاثة جثثًا هامدة. وبحركة يائسة يحمل السائق جثث الشباب الثلاثة ويلقي بها فوق أكوام القمامة ويتركها هناك بعد أن يستولي على كل ما بحوزة الشباب، وهو يتساءل لمَ لمْ يقرعوا جوانب الصهريج قبل أن يصلوا إلى تلك النهاية.

تتشظى حالة الانكسار في رواية كنفاني هنا؛ فمن هروب الشبان الثلاثة من الوطن، مرورًا بحالة العجز عن فعل شيء، المعبر عنها بعجز أبي الخيزران الجنسي، إلى النهاية المذلة التي تنتهي بموت الشبان في الصهريج ومن ثَمّ إلقائهم على أكوام القمامة والمزابل. يبدو كنفاني في (رجال في الشمس) وكأنه يسجل شهادة للتاريخ على حالة انكسار لا يمكن للأيام أن تتجاوزها.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store