عندما نزل الوحي على نبي الله ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم كان نزوله محكماً ومفصلاً في كتابه الكريم كي يكون التشريع الصالح لكل زمان ومكان، كون رسالته صلى الله عليه وسلم هي خاتمة الرسالات وفيها جمعت وختمت كل التشريعات السابقة التي جاء به الرسل الذين أرسلوا قبله قال تعالى (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين)
وقال تعالى (كتاب أُحكمت آياته ثم فُصِّلت من لدن حكيم خبير) وقد تتابع نزول تلك التشريعات التي اشتملت على العبادات والمعاملات والسلوكات الحياتية واستمر نزولها تباعاً حتى أتمت واكتملت قبل وفاة المصطفى صلى الله عليه وسلم، قال تعالى في آخر آية نزلت عليه (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا).
ومما سبق يتضح لنا بجلاء اكتمال هذا التشريع السماوي بكل تفاصيله التامة والكاملة كما تم تبليغها خير تبليغ من الرسول صلى الله عليه وسلم كما جاءت دون تحريف أو تبديل حينما دوَّنها كتاب الوحي وراجعها رسول الوحي جبريل عليه السلام مع النبي الخاتم محفوظاً من كل تحريف بأمر الله سبحانه قال تعالى (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، وحتى هذه المرحلة لم يكن لدى صحابة رسول الله وكل من أسلم في عهده صلى الله عليه وسلم مرجع إلا النهل من أحكام ذلك الكتاب العظيم التام المكتمل، واستمر ذلك الحال حتى أواخر القرن الثاني الهجري حينما بدأ ظهور الأئمة الأربعة أصحاب المذاهب الأربعة (الشافعي وأبو حنيفة ومالك وأحمد بن حنبل) الذين استحدثوا ما يسمى بأصول الفقه ومصطلح الحديث والتي واكبت مرحلة اتسمت بدخول الكثير من الأجناس البشرية إلى الإسلام وبرز في تلك الفترة الزمنية من اهتم بجمع الأحاديث النبوية كالبخاري ومسلم وغيرهم التي استمدوا جمعها من الأفواه لأنها لم تكتب حينذاك، وكان ذلك بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم (لا تكتبوا عني ومن كتب عني غير القرآن فليمحه)، ثم أمر الخليفة عمر بحرق ما دونه البعض من تلك الأحاديث ثم نشأ علم الجرح والتعديل لتنقية الكثير جداً من تلك الأحاديث المجموعة لما طالها من الكذب والتطويع، وهنا بدأت المذاهب الأربعة تتبلور بفكر تشريعي جديد كان اعتمادهم في أغلب استدلالاتهم على تلك الأحاديث مهما كانت درجة صحتها لعدم دقتها لأنها نقلت من الأفواه، وتعرضت للكثير من الكذب والتطويع، وكان اعتمادهم في استدلالاتهم على تلك الأحاديث موازياً للاستدلال بآيات القرآن الكريم بل إن الأغلب منها كان من تلك الأحاديث، ثم تتابع بعد ذلك بروز الكثير من المذاهب والشيع التي انحرفت باتجاهات سياسية أو لإثبات مكانة وقوة فقط ثم تنامى ذلك الحال حتى بدأ التحول الأخطر في مسار تلك المذاهب بعد القرن السادس الهجري حينما تحول ذلك الخلاف إلى صراعات سياسية بعد أن غلب عليها جميعاً تلك الصبغة السياسية التي طوعت فتحول الأمر إلى تنافر وتناحر عصبي أفضى إلى إهراق الكثير من الدماء،
وها نحن اليوم نجني ثمار تلك الخلافات المذهبية وهاهي تتنامى وتتحول إلى صراعات بين الدول بعدما كانت قبل ذلك صراعاً بين الأتباع وصدق الله العظيم الذي قال في كتابه (إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء إنما أمرهم إلى الله ثم ينبئهم بما كانوا يفعلون).
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعضٍ) وقوله صلى الله عليه وسلم (ستفترق أمتي على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة)، ولا أظن تلك الفرقة غير من التزم بكتاب الله تشريعاً وترك تلك الاختلافات المذهبية، فهو الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.