Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
م . طلال القشقري

قصتي مع الجنيه المصري!!

بضاعة مزجاة

A A
سَمِعْتُ أوّل ما سَمِعْتُ عن الجنيه المصري عندما كُنْتُ على مقعد السنة الابتدائية السادسة في مدرسة ابن خلدون بمدينة الطائف، قبل حُقبة من الزمن لن أخبركم بالطبع مقدارها حتّى لا تُعايرونني بالشيْب، فأردّ عليكم كما غنّى المطرب العراقي الراحل ناظم الغزالي في مواويله الرائعة:

عيّرتني بالشيْب وهو وقارُ..

ليتها عيّرت بما هو عارُ!.

وقد سَمِعْتُ عنه من مُعَلِّمي المصري الجنسية الذي سألتُه عن العُملة المصرية وقيمتها مقابل الريال السعودي، فأجابني بأنّها الجنيه ويُساوي ١٠ ريالات سعودية (طبعاً آنذاك)، ثمّ سألتُه ببراءة عن راتبه في مصر قبل قدومه إلينا، فقال أنّه ١٩ جنيهًا!.

وعندما أبديْتُ استغرابي من قلّة الراتب قال باللهجة المصرية العامية: «ما تِسْتَغْرِبْشْ يَابْنِي، ده الجنيه الواحد يِكَفِّينِي أنا ومِرَاتِي وعِيَالِي أسبوع زمان، وإيجار شُقّتي 5 جنيهات في الشهر، وأشتري بالجنيه لَحْمَة وفِرَاخًا وهُدُومًا، ونِتْعالَج في مستشفى القصر العيني مجّانًا، ويِبْقَالِي شُويّة جنيهات أشِيلْهَا للعُوزَة»!.

وبالفعل كان هذا هو حال الجنيه المصري في الزمن الماضي الجميل، وكان قوياً حتّى أنّ الشاعر المصري الغنائي جمال بخيت قال عنه:

«كان راجل شديد..

ويِجِيب ذهب..

ويِشِيل حديد..

وسَمُّوه حَمَام..

لأنّه يِطِير لِفُوق أوَامْ..»

أمّا اليوم، وبعد أسبوع سياحي قضيتُه في العاصمة المصرية القاهرة، لم أرَ الجنيه يُتداول وحده، سواءٌ كورقة بنكنوت أو معدنٍ مصكوك، وفقد مجده السابق وعزّه التليد، وأصبح الريال السعودي الثابت في قيمته بفضل الله منذ عقود يُساوي أكثر من ٤.٤ جنيه، وأصبح الدولار الأمريكي يُساوي ١٦.٥ جنيه، وأصبحت فئات الـ5 والـ10 والـ20 جنيهًا تُستخدم للبخشيش والإكراميات، وأصبحت فئات الـ50 والـ100 والـ200 جنيه تُستهلك سريعاً في شراء ما خفّ وزْنُه ولم يعلو شأنُه، وهذا يحزّ في قلب كُلِّ مُحِبّ لمصر، ولا أعلم إن كان مُعلِّمي المصري مُقَيَّداً في دفتر الحياة أم طاح اسمُه في ديوان الموتى ليُدْلِي بدلوه في جنيه بلده!.

وكم أتمنّى أن يُنتشل الجنيه المصري من حافّة الهوان، وأن يستعيد عافيته السابقة، ففي استعادتها عافية للاقتصاد المصري العليل، وقُوّة لمصر وهي قُوّة للدول العربية، وألّا يستمرّ وضْعه كما قال نفس الشاعر:

«مات الجنيه..

وألف رحمة ونور عليه..

مات من غير وداع..

ألف رحمة ونور عليه..»!.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store
كاميرا المدينة