· تنمية المجتمعات وتطويرها واحد من أهم وظائف الحكومات، ومن أكبر تحدياتها في الوقت نفسه.. فالمجتمع -أي مجتمع- إن لم يكن مُعيناً ومساعداً للحكومة في خططها التنموية؛ أصبح عائقاً كبيراً أمام تنفيذ هذه الخطط وتجسيدها على أرض الواقع. وليس من الجديد أن نقول بأن الأسرة -حول العالم- تواجه تحديات وجودية كبيرة جداً، تتعلق بهويتها ودورها، خصوصاً في العقود الثلاثة الأخيرة التي شهدت ارتفاعات مهولة في معدلات التفاهة والسطحية والشذوذ الفكري، بفضل الفضاءات المفتوحة التي اخترقت كل شيء تقريباً لتصل إلى أصغر أفراد الأسرة في أحضان والديه!.
· تقول بعض الإحصاءات أن أكثر من ٦٠% من السجناء الشباب ونزلاء دور الرعاية كان التفكك والإهمال الأسري السبب الأهم في انحرافهم السلوكي .. ومن خلال تجربتي التربوية غير القصيرة أستطيع القول إن فقدان الاستقرار الأُسَري هو أهم عوامل الانحرافات السلوكية والفشل الدراسي بالفعل وأشدها أثراً، ولا أظنني بحاجة لإيراد دلائل على مايعصف بالأسرة السعودية من مخاطر ومشاكل تهدد هذه اللبنة الاجتماعية المهمة، فأرقام الطلاق المتعاظمة تملأ وسائل الإعلام، وكذلك مشكلات العنف والتطرف والمخدرات وتبني الأفكار والآراء الشاذة التي تملأ فضاءاتنا وتسيطر على عقول أبنائنا سواء ما يتعلق منها بالإلحاد أو الشذوذ وخلافه، ناهيك عن ظواهر هروب الفتيات، والتنمُّر في المدارس وغيرها كثير.
· ومع كامل الاحترام للجهود المشكورة لوزارة العمل والتنمية الاجتماعية في مجال الأسرة والتنمية الاجتماعية إلا أن هذه التحديات الكبيرة التي باتت تواجه الأسرة السعودية اليوم تتطلب التفكير جدياً في استقلالية هذا القطاع المهم، لمواجهة هذه التحديات المتلاحقة، خصوصاً والمجتمع السعودي يتجه بقوة نحو تحقيق رؤية ٢٠٣٠.
· نحن بحاجة إلى وزارة أو هيئة مستقلة للأسرة، تتبنى مشروعاً وطنياً موحداً لحماية ودعم الأسرة السعودية، مشروعاً تشارك فيه كل الجهات ذات العلاقة كالتعليم والصحة والشؤون الإسلامية و الثقافة والإعلام، ويأخذ على عاتقه بناء أسرة سعودية مسلمة متماسكة مستقرة وقادرة على مواجهة تحديات باتت تهدد العالم بأسره .
· ولأن المرأة هي النواة الرئيسية للأسرة والمجتمع كله، ولأنها وبحكم طبيعتها وتركيبتها النفسية والفكرية هي الأقدر على صناعة هذا المشروع الأسري وحمايته، فإنني أتمنى أن تسند هذه الوزارة إلى سيدة سعودية متخصصة، تعيد للأسرة توازنها وقوتها ودورها المنشود.. وتحفظ للمجتمع قيمه وأخلاقياته التي باتت مهددة بالانقراض.