مسيرة الحج التي فرضها الله سبحانه وتعالى على كل مسلم حينما أوحى إلى أبي الأنبياء سيدنا إبراهيم عليه السلام بقوله تعالى (وأذِّن في الناس بالحج يأتوك رجالاً وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق)، وهذا إيذان بوجوبها على كل مسلم يستطيع أداءها إما رجالاً أي مشياً على الأقدام أو ركباناً بمختلف وسائل النقل، تلك المسيرة تستحق التمعن في معانيها ودلالاتها.
ولأن رحلة الحج شاقة وتستوجب توفر المال والصحة فقد خفف الله على عباده وجعلها للقادرين على ذلك كما في قوله تعالى (ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلاً ومن كفر فإن الله غني عن العالمين)، وهنا كان التخفيف على المسلم بأن يكون مستطيعاً لأداء هذه الفريضة وقادراً على تكاليفها ومشقاتها، وقبل ذلك الإعداد والتهيئة له بالمال والعتاد ثم مروراً برحلته التي كانت في غاية الصعوبة قديماً ولازالت كذلك عند الكثير من الناس حتى يومنا هذا، ثم يلي ذلك أداء مناسكه الشاقة كالطواف والسعي والوقوف بعرفة والمبيت بمزدلفة ثم الوقوف بمنى ورمي الجمرات الثلاث ثم الطواف التي يتبعها رحلة العودة الشاقة أيضاً..
كل ذلك يدفعنا لطرح تساؤل منطقي لماذا فرض الله عليه الحج؟.
ولعل الإجابة التي نستخلص منها أهم وأبرز الدروس المستفادة من هذه الرحلة المثقلة بالمصاعب والمشقات إلى بيت الله الحرام تتلخص في نقاط أبرزها:
- امتحان المسلم في مدى صبره وعزمه على أداء ذلك الفرض المجتمِع فيه الكثير من المشقات.
- إبراز حجم قيمة المساواة التي تبرز بجلاء بين كل الطوائف والمذاهب والمراتب الاجتماعية والأسود والأبيض والغني والفقير في اللبس والأمكنة وأداء الشعائر.
- التذكير بيوم المحشر الذي يبرز فيه العباد أمام ربهم داعين ربهم بخضوع وخشوع بعد أن تنتزع كل الألقاب والمراتب.
- إبراز قيم التكافل والترابط والتآخي التي تبرز بوضوح بين العباد في هذا الموكب العظيم.
- التذكير بمحاسبة النفس على كل الذنوب والمعاصي التي يرتكبها المسلم في حياته وطلب المغفرة من الرب المعبود الذي ينادي في ملائكته بأني قد غفرت وعفوت عن عبادي في هذا الموقف العظيم حتى أن كل حاج منهم يعود كما ولدته أمه كما ورد في الحديث الشريف (من حج لله فلم يرفث ولم يفسق، رجع كيوم ولدته أمه). والله من وراء القصد.