ليس عجباً أن يحسَّ الإنسانُ بحبِّ من ألِفَ، لا سيَّما عندما يقترنُ هذا الأمرُ بالوفاء، والناسُ يودُّون أن يَصِلوا مَن ألِفوا ومَن أحبُّوا.
لم يسعفْني لساني ولا حتى قلمي بالبوحِ عند تلقِّي نبأ وفاةِ الزميل العزيز الدكتور عبد الرحمن الشبيلي (أبو طلال)، فهذا النبأ كدَّر خاطرَ كلِّ من عرف هذا الرجلَ النبيل، وخيَّم الحزنُ على فراقِه وقد كان ملءَ العينِ خلال أعوامٍ وأعوام، وصورتُه لا يمكن أن تفارقَنا في كلِّ مكانٍ جمَعَنا به، فهو متميِّزٌ بعلمهِ وأدبهِ الممزوجِ بالخلق الرَّفيع والحسِّ الإنسانيِّ العالي، وجميل الخصال.
قولوا بربِّكم.. مَنْ منَّا لا يحبُّ الرجلَ يخاف ُ ربَّه ويؤْثرُ رضاه؟. قولوا بربِّكم.. مَنْ منَّا لا يحبُّ الرجلَ إذا وعدَ صدق، كريمَ الطبعِ، نقيَّ السَّريرةِ، ثابتَ الودِّ، كريمَ النَّفسِ،أصيلَ الرَّأي؟.
طُوبَى لأبي طلال ، ألَّف وصنَّف وبحثَ ودقَّقَ، فرحلَ عنَّا مخلِّفاً بين ظهرانينا ما ينفعُ الناسَ ويُكسبُه الأجرَ والحمد.
هنيئاً لك أبا طلال ولكل مَن يُعلِّق القناديلَ ليضيءَ بها الدُّروبَ للآخرين.
عندما يدعوك لمنزلِه يخفُّ للقياك ويهشُّ، يفرشُ لك دماثةَ أدبهِ، ويفيضُ عليك من لُطْفِ معشرِه..أنتَ ربُّ البيتِ، وهو الضَّيفُ.
رثاه الزَّميلُ اللواءُ عبد القادر كمال بقصيدةٍ مطلعُها:
هطلتْ عليكَ نَجِيَّةُ الدَّعواتِ
وهَمَتْ عليكَ سوابغُ الرَّحماتِ
وتقبَّلتْكَ من الإلهِ ملائكٌ
باليُمْنِ والتَّهليلِ والبَركاتِ
ودُعِيتَ في نُزُلِ النَّعيمِ مُخَلَّداً
عندَ المُهيمنِ غافِرِ الزَّلاتِ
إلى أنْ يقولَ:
ماذا أقولُ؟ وفي فؤادي مأتمٌ
ينداحُ بالغَصَّاتِ والعَبَراتِ
ما أنصفُوا إذْ أوْدَعوكَ الى الثَّرى
مَثْواكَ في الأكْبادِ والنَّبَضَاتِ.
ورثاه الأستاذ محمد الشريف (أبو هشام) أوّل رئيس لنزاهة بمقال تحت عنوان: (لا.. لم يمُتْ عبد الرحمن الشبيلي)، كما تحدَّث العديدُ من زملاءِ الشورى عن مناقبِ الفقيدِ منهم د. عبد الرحمن أبو حيمد، الدكتور عبد الرحمن الجعفري، والدكتور عايض الردَّادي، ومسعد العطوي، أحمد التويجري مع حفظ الألقاب، وعبد الله أبو ملحة، عبد العزيز الفايز، وعبد الواحد الحميد، وغيرهم من الأصدقاء ورفقاءِ الدَّرب، وسوف توثَّقُ كلُّ المرثيَّات في مناقب الفقيد.
لا غروَ في ذلك، فعَلَى أكتافِه وأقرانه قامتْ النهضةُ الثَّقافيةُ وتأسّستْ الانطلاقةُ الإعلاميةُ.
إنَّه اللغويُّ المتمكِّنُ والإعلاميُّ الشَّهير، والمقالي الهادفُ، والمؤرخُ الراصدُ، والوطنيُّ المخلصُ، وهو حصيلةُ موهبةٍ أصيلةٍ وطموحٍ علميٍّ وأدبٍ معرفيٍّ وخبرةٍ حياتيِّةٍ مليئة بالتجارب الغنية.
لعل من الصَّعب أنْ نختزلَ كلَّ مناقبِ الفقيدِ في هذه العجالةِ، فهو رائدٌ في كلِّ المجالاتِ، وأبو طلال -أسكنه الله الجنان- زاخرُ العطاءاتِ، متنوِّعُ الإبداعات، عالجَ قضايا الإنسان من منطلق الوطنيِّة والإيمان.. عليه رحماتُ اللهِ ورضوانهُ.