• »إذا كنت ستصدق كل ما تقرأ.. فلا تقرأ»!!.
• على المستوى الشخصي.. أدين لهذا المثل الياباني بالكثير من الفضل، فقد كان هو (الفلتر) أو طوق النجاة الذي أنقذنا (بعد الله) من همزات شياطين كتب السبعينيات والثمانينيات عند بداية تسلقنا جدران القراءة. القراءة التي أراها لا تختلف في أحيان كثيرة عن السير في حقل ألغام، فهي بحاجة إلى مرشد، او سند ترتكز عليه، خصوصًا في بداياتك مع القراءة، وقبل أن يتشكل جهازك المناعي الخاص، القائم على وعيك الذاتي.
• يخطئ من يعتقد أن العربي لا يزال كائنًا لا يقرأ.. لقد ساهم الإنترنت في ارتفاع ملحوظ لحصيلتنا من القراءة اليومية، لكنها للأسف قراءة غير مثمرة، كونها لا تختلف -في معظمها- عن أحاديث المجالس أو السوالف و(طق الحنك)!. لقد صنعت لنا مواقع التواصل الاجتماعي، (الواتس وغيره) عالمًا تفاعليا مغرياً وجاذبًا، تداخل فيه الخبر بالمعلومة بالشائعة، اختلط فيه الصدق بالكذب، وتمازجت فيه اللغات والثقافات والأيديولوجيات بشكلٍ غير مسبوق، حتى أنه لم يعد بالإمكان السيطرة على هذا المزيج المتعاظم، الذي يستطيع أي أحد وبكل سهولة أن يشارك في صناعته وتزييفه.. كل ما هو مطلوب منك أن تجيد فن التزلج بسبابتك فوق شاشة هاتفك النقال!.
• هذا الانفلات المعلوماتي أحاطنا بكمٍ هائل من المحتوى والقراءات الغثة، أو قل إن شئت من البيئات المليئة بالجهالات والخرافات التي أعاد الإنترنت إنتاجها بشكل إلكتروني جذاب.. إنها لا تقل سوءًا عن المواقع الإباحية.. أبنائنا صاروا يتحركون اليوم وسط حقول متفجرات من مواقع متطرفة وتكفيرية وإلحادية غاية في الخطورة، ومن أفكار ملوثة أيدلوجيًّا ووطنيًّا، تزرع فيهم العنصرية والتخوين والكراهية والشذوذ، وتمارس على المخالفين منهم أبشع أنواع الإرهاب الفكري.
• الإعلام والتنوير من مهام المثقفين والخبراء، ويجب أن يكونا تحت رقابة رصينة، فلا يمكن للجهل أن يقود المجتمعات، وما يحدث حالياً من انفلات قد يكون ساهم في تكثيف المعلومة وتقريبها من المتلقي، لكنه اقتراب سلبي لا فائدة منه، لأنه لا يخضع لأي تدقيق أو تمحيص.. بالطبع لا أحد يريد عرقلة الفتح الإعلامي العظيم المسمى بالإنترنت، لكننا يجب أن ندرك أننا أمام معضلة كبرى، تتمثل في عدم القدرة على فلترة هذا التدفق.. لهذا يبقى الرهان الأكبر على الوعي الشخصي القادر على الفحص والتحليل والنقد.. مع تعديل بسيط في المثل الياباني السابق ليصبح «إذا لم تكن قادرًا على فلترة ما تقرأ.. فلا تقرأ»!
• يقول برنارد شو لقرائه: «وفي الختام أنصحك يا صديقي بالقراءة، وأترك لك تصديقي أو عدمه، فالقراءة جعلت من «دون كيشوت» رجلا نبيلا.. لكن تصديقه لما قرأ جعله مجنونًا».