كما وعدت في مقال الأسبوع الماضي، الذي عنونته بـ»عمل المرأة.. لتحرر الرجل»، سأسرد هنا عدداً من القصص الحقيقية، التي لا تزال تحدث في مجتمعنا.. هذه القصص تمثل نماذج من شرائح تفكير لا تزال في رأيي تنظر للعصر الحديث والمجتمع الحديث نظرات قاصرة.
قلت سابقاً إني لاحظت نمطاً شائعاً من التفكير تطور خلال العقدين الماضيين محلياً، وأعني بذلك نماذج من الشبان والشابات ممن يريدون أن يعيشوا عصر ما بعد الحداثة ويستفيدوا من ميزاته، لكنْ بقيم ما قبل الحداثة.. وضربت أكثر من مثال على أزواج يريدون الحرية والسفر والانفتاح والاستمتاع بالحياة لأنفسهم، لكنهم يريدون لزوجاتهم ونساء بيوتهم أن يعشن كما عاش أمهاتهم وجداتهم.. على الطرف الآخر ضربت المثل بنماذج لفتيات يردن العمل وحياة الانفتاح والحرية والتسوق والسفر لكن في الوقت ذاته ينتظرن من الشريك توفير المصاريف، والشغالة والسواق والإنفاق عليهن وعلى الأبناء.
لذلك أقول وأكرر.. إن نظام الحياة الحديثة يقتضي أن يتشارك الزوجان في مسؤوليات الحياة، داخل المنزل وخارجه.. عمل المرأة حق من حقوقها بلا شك.. وهو اليوم ضرورة اجتماعية في رأيي.. لكنّ خروجها للعمل يعني أن تسقط النظرة السابقة لتنظيم المسؤوليات في العائلة، ويعاد بناؤها وفق نظرة متزنة، يشترك فيها الزوجان في المسؤوليات والحقوق؛ ويأتي الجانب الاقتصادي في صلب تلك النظرة بلا شك.
معنى هذا أن يبدأ الأمر بالمهر وتكاليف الزواج.. أنا أرى أن هذا النظام يجب أن يسقط المهر بمفهومه المتداول محلياً، وأن يظل مجرد رمز فقط، يعبر فيه الخاطب عن رغبته في فتاة أحلامه؛ (معنى هذا أن ننسى الألوف التي اعتدنا سماعها).
انتشرت قبل فترة تغريدة لفتاة تتبجح بعقد قرانها على فارس أحلامها الذي وافق على شروطها، أرفقت الفتاة صورة من العقد؛ وقد كانت الشروط أشبه بعقاب للمسكين، صك حكم بالسجن المؤبد مع الأشغال الشاقة لفارس الأحلام «الورطان»... أثارت التغريدة والشروط استهجان ذوي الألباب من المغردين والمغردات.
المشاركة لابد أن تشمل كذلك إيجار المنزل، وتأثيثه، وصيانته.. يجب أن يتقاسم الشريكان أعباء الزواج منذ البداية ليدرك كل طرف حجم المسؤولية وثقلها، فيشعر بها ويقدرها.. ويشمل ذلك مصاريف السفر أيضاً؛ وقد أخبرني أحد الصالحين «الثقات» أنه يأخذ زوجته وابنيه كل عام في رحلة صيفية خارج المملكة، يتكفل فيها بكل شيء، من تذاكر السفر إلى الفنادق والوجبات والمواصلات.. هذا الصالح الثقة يقول: في نهاية كل سفرة.. تكرمني الغالية بشراء شنطة على حسابها، لتضع الهدايا التي تشتريها لأهلها «من حسابها أيضاً».. كل عام أمر بهذا المشهد المؤلم.. وقفزت من عين الصالح دمعة.
خذوا هذه أيضاً..
صديق ذو منصب وعلم وشباب.. تعثر زواجه الأول، وانفصل.. جاءني يستشيرني ذات يوم، في فتاة تقدّم لها؛ موظفة في وظيفة ممتازة، وراتبها يقارب راتبه، وافقت عليه طويلة العمر، لكن لديها بعض الشروط: «اشترطت عليه ست الحسن والدلال مجموعة شروط أعجبها أن يدفعَ راتبَ سائقها، وأن يسدد جوالها..!!». جاءني المسكين يستشيرني: فصرخت فيه: اهرب.. اهرب..!! هرب صديقي من مشرق الأرض لمغربها: حيث طاب له المقام.. وتنعم بالحب والسلام.. قابلته بعد أكثر من سنتين، وهو في نعيم مقيم، فسألته: ماذا فعل مع الشريطية.. قال لي: أيقظتني نصيحتك، فأرسلت لها اعتذاراً مؤدباً.. جاءني ردها: «خسارة.. اعتقدت فعلاً إنك شاريني..!!».. يا لثارات الرأسمالية..!!
لا تتعجبوا، هذه الحالات تحدث.. كنت شاهداً على مشكلة طويلة قبيحة التفاصيل بين زوجين.. كانت طالبةُ الخلعِ تتهم الزوج بالبخل، ثم اكتشفتُ أنه كان يعطيها ألفي ريال شهرياً (نفقة).. واكتشفت أيضاً أنها تعمل، وراتبها ضعف راتب المسكين!
سامحوني.. كل القصص عن عجائب النواعم في الانتقام من خشونة الرجال.. فهل كان من الأنسب أن يطلق النحاة على ضميرهن الخاص: (نون القسوة)؟!
لا أعتقد.. هي مجرد نماذج شاذة، أما القاعدة فهي من يراهن عليها وطننا الفتي لتكون شريكة حقيقية في بناء مستقبله.