المتقاعدون في مجتمعنا؛ يُمثِّلون شريحة تصل نسبتها تقريباً إلى حد ربع عدد السكان، وهؤلاء بالطبع شريحة قد أفنت جُلّ عمرها في خدمة وطنهم، وضحَّت بالكثير من جهدها وصحّتها لهذا الغرض، لكن نظام التقاعد يُحتِّم عليهم التقاعد، وهذا ما يجعل العديد منهم يجد نفسه عاجزاً عن الوفاء بمتطلبات حياته المتنامية دوماً، مما يُوقعه في دوَّامات نفسية واجتماعية واقتصادية، تجعله في حال لا يُحسَد عليه، مما يستوجب أن ينال التكريم الذي يكفل له الوفاء الذي ينتظره، بعد تلك الجهود من خلال تحقيق تلك المتطلبات الأساسية، كي يشعر بالوفاء المستحق من معشوقه الوطن المعطاء، الذي أفنَى جُلّ عمره في خدمته، ونعلم أن المجتمعات المُتقدِّمة؛ تحرص على مضاعفة الرعاية بموظفيها بعد إحالتهم للتقاعد، كونهم قدَّموا كل ما يملكون من معارفٍ ومهارات لخدمة أوطانهم وشعوبهم إبان وجودهم على رأس العمل، كوفاءٍ لهم، وتقدير لكل تلك الأعمال الجليلة التي قدّموها، ولاشك بأن هذا الأمر يُعدُّ رُكناً مُهمًّا من أركان الأمان الوظيفي المنشود من كل الموظفين، لكن واقع الحال في مجتمعنا لا يتفق مع هذا المبدأ الهام، نظراً لما يؤول إليه حال الموظف بعد تقاعده، حيثُ نجده يفقد الحيِّز الأكبر من حجم راتبه، الذي كان يُمنَح له، كبدلات للسكن والنقل والخطر... ونحوها، وكل ذلك يحدث في ظل تنامي أسعار المواد الاستهلاكية، وتنامي رسوم الخدمات بصورةٍ متسارعة، وكذلك مطالبات المديونية للبنوك والمؤسسات الأخرى، وعدم توفُّر التأمين الصحي للمتقاعد الذي يُعدُّ في أمسِّ الحاجة له في هذه المرحلة الزمنية، بالإضافة إلى المتطلبات العائلية لأفراد الأسرة، مما ينتج عنه تنامي الضغوط النفسية التي يترتب عليها الكثير من الأمراض الجسدية والنفسية، كالضغط والسكر والكآبة.
وبما أن قيادتنا الحكيمة -رعاها الله- تحرص أشد الحرص على توفير الأمن الوظيفي لكافة المواطنين، كما تحرص على توفير سبل الراحة والاستقرار لهم، فإن المُستَوجب من الجهات ذات العلاقة كوزارة الخدمة المدنية والمؤسسة العامة للتقاعد والتأمينات الاجتماعية أن تقوم بواجباتها في توفير تلك السبل للمتقاعدين، كما وأن مجلس الشورى الموقَّر لابد وأن يلتفت لهذا الجانب الهام، ويسعى لسنِّ الأنظمة التي تضمن للمُوظَّف الراحة والاستقرار قبل التقاعد وبعده، وبما أننا نعيش حِراك رُؤيتنا الطموحة 2030، وهي التي تحمل الكثير من البشائر التنموية التي تسعى لبناء الإنسان، فِكراً وجسداً، فإن ذلك المطلب يُعدُّ حتمياً في هذه المرحلة.
وكم أتمنى أن تقوم جمعية المتقاعدين بدورها الفاعل في المطالبة بحقوق المتقاعدين والمنافحة عنهم عبر المعابر الرسمية والإعلامية، وإبراز معاناتهم ومتطلباتهم، ومتابعة تنفيذها، حيث إن الجمعية بواقعها الحالي لا تُمثِّل أي ثُقل، ولا تُحقِّق أي مطلب، بل هي شكلية لذر الرماد في العيون.
والله من وراء القصد.