قبل ما يقرب من أربعة عقود، وكنا طلاباً في الدراسات العليا بالولايات المتحدة، كانت تصلنا عبر البريد من بعض الجهات الخيرية طلبات المساهمة في بعض برامجهم ونشاطاتهم المختلفة مُذيَّلة بعبارة (علماً بأن ما يُقدم من تبرعات من قِبلكم يمكن استقطاعه من ضريبة الدخل). من الطبع أن هذا الأمر لا يخصنا كطلاب، ولكن الفكرة راقت لي ولغيري، وكنَّا نتساءل عما إذا كان يجوز للمؤسسات والشركات لدينا أن تدفع من زكاتها الى جمعيات البر، فجاء الجواب بالنفي.
في الشهر الماضي عثرت على صورة خطاب مُرسل من مدير عام مصلحة الزكاة والدخل إلى وزارة الشئون الاجتماعية بتاريخ 24/12/1429 هـ . جاء الخطاب رداً على استفسار من الشئون الاجتماعية حول مدى سريان تعليمات مصلحة الزكاة والدخل التي تقضي باعتماد التبرعات التي تدفع الى جهات خيرية معترف بها داخل المملكة، كما تضمنت الإجابة بأن المادة الحادية عشرة من النظام الضريبي الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/1) وتاريخ 25/01/1425 هـ تقضي بحسم التبرعات المدفوعة خلال السنة الضريبية إلى هيئات عامة، أو جمعيات خيرية مُرخص لها بالمملكة لا تهدف إلى الرِبح ويجوز لها تلقي التبرعات. في ذيل الخطاب ورد التالي: (كما نفيدكم بأنه طالما انطبقت على التبرعات الضوابط المُشار إليها أعلاه فإنه لا يوجد حد أعلى لما يُقدم للجمعيات الخيرية سواء للمكلف الزكوي أو الضريبي)...انتهى.
بهذه المعلومات الواضحة، قطعت جهيزة قولَ كل خطيب، وأُسدل السِتار على موضوع التردد في دفع الزكوات إلى جمعيات البِر المعتمدة في المملكة، وأصبح القرار بيد البنوك والمؤسسات والشركات التي لها زكوات سنوية، وتوجيهها الى جمعيات البر يقوِّي من دورها المأمول في مواجهة رعاية الأيتام ومرضى الغسيل الكلوي وتفريج الكُربات التي ازدادت في السنوات الأخيرة ورعاية أُسر السجناء وأعمال البر الأخرى المعروفة بما يمكنها من القيام بالأعباء الضخمة المنوطة بها، وتبقى عاجزة عن الوفاء بها لشُح الموارد وكثرة الطلبات.
لقد قامت الدولة بواجبها في هذا النحو وكل ما يجمع من مصلحة الزكاة والدخل يُوجه للنفقة منه على الضمان الاجتماعي ومع ذلك تركت الباب مفتوحاً لمن يرغب في دفع زكواته إلى جمعيات البر المعتمدة من الدولة.