لقد أحسنت وزارة التعليم في التوسع في رياض الأطفال كخيار استراتيجي لتحقيق نواتج تعلُّم أفضل وفق مستهدفات رؤية 2030م، ورفع نسبة الالتحاق من 17% إلى 30% عام 2020م، وإلى 95% عام 2030م.. فالسنوات الأولى من عمر الطفل هي الأساس في تشكيل شخصيته، والتي كانت مهملة لسنوات، ويدخل الطفل فجأة للمرحلة الابتدائية، فيُصاب بالخوف للانفصال عن والدته وتبذل جهوداً في الأسبوع التمهيدي لتكيُّف الطفل مع المجتمع المدرسي.
الجديد هذا العام 1441هـ إعلان وزارة التعليم إسناد تدريس الصفوف الأولية للبنين للمعلمات في (1460 مدرسة). وفي بداية القرار لم يتم التنويه عن (آلية التعليم) مما حدا بالكثيرين في مواقع التواصل وخاصة في تويتر التعبير عن رفضهم للفكرة، ظناً منهم أنها تعتمد على دمج البنين والبنات في الفصول، وقد يكون لذلك مبرراته نظراً للنمو الفسيولوجي في مرحلة من (7-9) واحتمالية ظهور سلوكيات لا تتوافق مع ديننا الإسلامي الحنيف، والذي يقوم على المحافظة على الإنسان في جميع مراحل نموه.
ولكن دعونا نناقش القرار بصورة علمية؛ فمرحلة الطفولة المبكرة قد حددها العلماء من 3-6 سنوات، وتسمى مرحلة ما قبل المدرسة، وهي التي تعتمد على التعلُّم من خلال اللعب والأركان، وليست للقراءة والكتابة؛ حيث ثبت فسيولوجياً عدم تآزر العصب الحركي بين العين واليد، وبالتالي عدم القدرة على الكتابة، ثم تأتي مرحلة الطفولة المتوسطة وهي من 7- 9 سنوات، وهي مرحلة الصفوف الأولية، ويستطيع فيها التعلُّم لمهارات متنوعة منها: القراءة، والكتابة، والحساب، ويقوم بالأنشطة المتعددة والألعاب الاجتماعيّة التفاعلية. ثم تأتي مرحلة الطفولة المتأخرة 10 -12 سنة، وهي تُعدُّ مرحلة تأهيليّة تمهيديّة لانتقال الطفل من مرحلة الطفولة إلى البلوغ، وتتكون القيم الاجتماعية والسلوكيّة والميول والاتجاهات.
المشكلة الأساسية في خطأ استراتيجي تعليمي قديم يقوم على تدريس الأبناء في المرحلة الابتدائية على أيدي معلمين ومعلمات من خريجي المعاهد الثانوية، والكليات المتوسطة وحتى بمستويات علمية (مقبول)، بينما في الدول المتقدمة يُدرِّس الأطفال خريجو ماجستير ودكتوراه في التربية وبأعلى المستويات ( A)، لأن المرحلة تتطلب التعامل التربوي وفق النظريات التربوية السلوكية في التعزيز والتعلُّم. ولو طبَّقنا هذه السياسة التعليمية، فلن يضيرنا إذا علم أبناءنا وبناتنا (ذكراً) أم (أنثى)، لأن مواصفات المعلم التربوي هي كل ما نحتاجه في هذه المرحلة العمرية. كما أن حاجة الطفل الذكر للأنموذج والقدوة مهم جداً، خاصة إذا كان الطالب يتيم الأب.
ولكن كما يقولون: «قَطَعَتْ جهِيزةُ قول كل خطيب»، فأصدرت وزارة التعليم أنباءها التفصيلية مؤخراً كما جاء في صحيفة مكة الثلاثاء 26/12/1440هـ، وجاءت مطمئنة لأولياء الأمور: بأنه لن يتم إلغاء جميع مدارس البنين، كما أنه يحق لولي الأمر تدريس ابنه في مدارس البنين دون إلحاقه في مدارس الطفولة المبكرة -وهي التي جمعت بين (المرحلة التمهيدية والثلاث سنوات في المرحلة الابتدائية)، ويُدرِّس بها معلمات- والأهم من ذلك تدريس الأطفال الذكور في فصول ودورات مياه منفصلة بشكلٍ كامل، ولا يوجد دمج داخل الفصول مع البنات.
ومع هذا، أقترح أن تكون التجربة لعددٍ محدود جداً من المدارس، ولمدة 3 سنوات، لتقييم التجربة، فالتقويم المستمر في المرحلة الابتدائية بعد تطبيقه لمدة اثنا عشر عاماً ثبت فشله، لأنه لم يبن على أُسس علمية سليمة!! فنتمنى أن لا نُعيد الكرَّة في أخطاء استراتيجية لم تبن على دراسات مستفيضة، وأن تكون الأولوية لطلاب الصف الأول الابتدائي، والانتقال بهم تدريجيًّا.