Logo
صحيفة يومية تصدر عن مؤسسة المدينة للصحافة والنشر
واسيني الأعرج

كيف نحب أوطاننا.. ونحن لا نعرفها جماليًا؟!

A A
الفن جزء مهم من روحيتنا العميقة.. رابطنا الحيوي بالحياة بكل جماليتها واتساعها.. هو ما يقربنا بكل التفاصيل النابضة بالحب والجمال.. لهذا ينتابني السؤال الصعب: كيف نحب أوطاننا ونحن لا نعرفها؟

ما دور السينما التي لا تعنينا كثيرًا في العالم العربي، وهي عصب الحياة المعاصرة؟ أليست السينما هي أكبر حالة سحرية نسترجع من خلالها هذا التاريخ المقتول؟ حتى على الصعيد العربي المشترك، لا نجد فيلمًا واحدًا يجسد التاريخ العربي القديم وسقوط الأندلس مثلا، من أجمل الحضارات التي عرفتها البشرية، والتي ساهم العرب بقوة في صناعتها.. التسامح الإسلامي كان حقيقية حية ولم يكن أيديولوجيا ضيقة.. للأسف.. ليس العرب والمسلمون هم من أظهروا القيمة التاريخية سينمائيًا ولكن الغربيين.

فيلم ريدلي سكوت مملكة السماء، نموذج حي لذلك، الذي يبدو فيه صلاح الدّين الأيوبي قويًا ومتسامحًا تجاه المسيحيين، وأنه لم يكن بادئًا لكل الاعتداءات التي حصلت لاحقًا، كانت تأتي من غيره وما أتى منه هو مجرد ردة فعل.. الحضارة الأندلسية التي تبين اتساع العقل العربي وقدراته على احتواء التعددية والتنور في وقت متقدم، لم تغر السينما العربية مطلقًا ولا حتى الانهيارات التي أعقبت.. أي فيلم عربي تناول هذه الظاهرة وغزا بها العالم من خلال إنتاج عالمي ضخم؟ حتى التاريخ الحديث والقريب منا جدًا، لم يكن أوفر حظًا.. لا يوجد إنتاج سينمائي عربي كبير برؤية عالمية قادرة على اختراق قاعات الآخر، يجسد هذا التاريخ العربي الحي بأرضه الواسعة وخيراته والتمزقات التي مسته من خلال اتفاقية سايكس بيكو، بالمسطرة والقلم الأحمر والأزرق.

كان الغربيون الذين قسموا الأرض العربية، يقرؤون ما تحت الأرض، وكان العرب يتقاتلوت على رماد الأرض.. في السياق نفسه، لا حديث ولا سينما حقيقية عن الثورات العربية الوجودية التي قادها العرب بشجاعة وجرأة وتضحيات كبيرة، وانتهى الكثير منها إلى هزائم وانتصارات مسروقة، لم تنل أي اهتمام من طرف الإنتاج السينمائي العربي.

لا توجد أفلام كبيرة بالمنظور العالمي باستثناء فيلم معركة الجزائر الذي تناول جزئية صغيرة من هذه الثورة أو ما أنتجه مصطفى العقاد، الرسالة وعمر المختار. الباقي يظل دفين التاريخ الذي إذا لم يجد من يحركه في عصر الصورة سيموت.

من الذي جعلنا نحب صلاح الدين الأيوبي، ودانتون ووليام غالاس ونابليون وروبنوود ولينكولن وقياصرة روسيا وغيرهم، غير السينما التي منحتهم حياة جديدة؟ يحتاج العرب اليوم، إلى إجماع حقيقي لتغيير رأيهم من السينما، فهي ليست رفاهًا ولكنها سلاح فتاك ووسيلة حية.. لا يمكن أن يظل العرب بهذا التخلف في هذا السياق وهم أيضًا ضحايا الصور المصنوعة عنهم.. يحتاجون إلى أن يستثمروا في تغيير الصورة التي صنعتها عنهم هوليوود والقنوات الأوروبية والأنجلوساكسونية. لماذا لا ينافسون بمالهم وعقلهم هوليوود وبوليوود، لماذا لا ينشئون مثلا ستديوهات دولية كبيرة، ويجعلون منها وسيلة قوية للوصول إلى العالمية وفرض تصورهم ورؤيتهم على العالم؟ مجرد تساؤل في سياق عربي شديد التعقد والصعوبة.

لم يفكر العرب، حتى اليوم، في شيء من هذا، ولا أعتقد أنهم سيفكرون في القريب العاجل؟ ربما لأن السينما ليست مسألة استراتيجية في ثقافتهم.. وربما أيضًا لأن الصناعة السينمائية تقتضي جهدًا وصبرًا كبيرين غير متوفرين لدى المستثمر العربي اليوم، الراكض نحو ربح اللحظة بدون استراتيجية ثقافية أو حلم ما.. مع أن السينما جهاز استراتيجي خطير يغير الأشياء في العمق وإن بدا صامتًا، لأنه يراهن على الوقت للتحكم في الذائقة الجماعية والسيطرة على التاريخ والهويات والثقافات.

contact us
Nabd
App Store Play Store Huawei Store