فتحت صحيفة المدينة مؤخراً تحقيقاً بعنوان «معدلات الطلاق سرطان خارج السيطرة « وأفردت زوايا لخبراء في علم النفس والاجتماع عن أسباب الظاهرة وتفشيها؛ حيث وصلت معدلات الطلاق إلى 5 حالات طلاق في الساعة الواحدة، بمعدل يومي يتجاوز 129 حالة، وإن 49% من الأسر السعودية تعاني من حالات الطلاق لغياب الحوار داخل الأسرة وخاصة بين الزوجين، بل ذُكرت أسباب متنوعة منها إدمان الكحول والمخدرات، والمشكلات الاقتصادية للزوج، ووصفها بعضهم بأنها كارثة وليست مشكلة.
وحقيقة فبالنظر إلى القضية من وجهة نظري أرى أن كل تلك الأسباب تعود لسبب واحد فقط وهو: ابتعادنا عن مفهوم العلاقة الزوجية في الاسلام والتي يمكن إجمالها في عنصرين: وهما (السكن والقوامة) فالأولى حق للزوج كما قال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون).. 21 الروم) . وقيل «من أنفسكم» لأن حواء خلقت من ضلع آدم الأقرب إلى قلبه، حواء المرهفة الإحساس التي تسمع دقات قلبه وتقرأ ملامح وجهه، فتعرف ما في نفسه من خلجات وغصات فتكون المبادرة لتوفير السكن النفسي والبيئي وكل معاني الجمال والاستقرار فينزل الله المودة والرحمة فسبحانه الذي لم يقل وجعل بينكم (الحب) لأن المودة والرحمة اسمى المعاني الانسانية ويتفوقان على الحب الذي قد يحمل معاني التملك خاصة إذا اختلط بالغيرة الشديدة ؛ مع أن الغيرة صفة محمودة فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: «أتعجبون من غيرة سعد.. والله لأنا أغير منه والله أغير مني» ولكن حينما تتجاوز حدود المعقول تصبح وسواساً يدمر العلاقة الزوجية..
كما أن مفهوم القوامة الذي عانت منه المرأة العربية والسعودية خصوصاً من اضطهاد وتسلط من خلال إعلاء قيمة الذكر على حساب الأنثى ولم يعلموا أن القوامة هي شرف وتكريم للمرأة وإنفاق عليها وفضل الرجل في قوله تعالى: (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ) (النساء 34) لما اختص به من خصائص، لكنه أيضاً فضل المرأة في خصائص أخرى، ولكل منهما واجبات وحقوق إذا أهمل أحدهما أياً من واجباته الاساسية وتغافل عن حقوق الآخر تبدأ العلاقة في التفكك والانهيار.
وقد أعطيت المرأة السعودية الكثير من حقوقها التي كفلها الإسلام في ظل حكومتنا الرشيدة التي اهتمت بالمرأة وتعليمها وتمكينها وأجرت الكثير من تعديلات نظام السفر، ولكن ما نتمناه أن لا تستغل هذه الأنظمة في غير إطارها الذي وضعت له لتصبح تمرداً على الزوج والأب والأسرة وتزيد من حالات الطلاق؛ مع أن الاستئذان في السفر والخروج من سمو العلاقة وارتباطها برباط الزوجية المقدس وأن ولاية الرجل هي اشباع لها عاطفياً ونفسياً ودعمها اجتماعياً واقتصادياً.
وحقيقة فإن انتشار مواقع التواصل الاجتماعي ودخول بعض الأزواج في علاقات تبدأ بالاستئناس والتلطف بالحديث وتنتهي للأسف في بعض الحالات إلى الخيانة الزوجية التي تجرمها كافة الأديان والشرائع والأعراف.
ما نأمله توفر دورات تدريبية في معرفة الحقوق الزوجية والواجبات وتعويد الابناء والبنات على تحمل المسؤولية في قضاء حوائج المنازل وتثقيفهم حول مخاطر الطلاق وآثاره السيئة على الفرد والمجتمع .
الزواج يا سادة شراكة اجتماعية متكافئة متوازنة لا تختل أركانها إلا إذا اختلت القيم والمبادئ التي أسس لها الدين الاسلامي في حفظ الاسرة فمن الأسرة قامت دولة الاسلام فالسيدة خديجة رضي الله عنها هي أول من آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم فصدقته ودعمته ومن هنا كانت الأسرة محضن الدعوة الإسلامية فهي عماد المجتمع وأساس قوي لإصلاحه.