إن إطالة العمر بيولوجيًا سبب من أسباب أقدار الله كما الدعاء تمامًا عندما نطلب من الله أن يجعلنا ممن طال عمره وحسن عمله وقد دعا رسول الله صَلى الله عليه وسلم بطول العمر لبعض الصحابة وكذا قوله عليه السلام: «من أراد أن يُبسط له في رزقه ويُنسأ له في أجله فليَصِلْ رحمه» وقوله عليه السلام: «عليكم بقيام الليل فإنه مطردة للداء عن الجسد». وليس حديثنا في هذه المقالة إلا من هذا الباب: أن هناك أموراً تساعد وتكون سببًا في إطالة العمر بيولوجيًا منه:
* الأخذ بأسباب العافية والصحة وتجنب ما يهلك الجسم والنفس من المأكولات والمشروبات فيجلب الأمراض ويضعف جهاز المناعة كل ذلك بإذن الله يكون سببًا لطول العمر بيولوجيًا من الناحية الوقائية لذلك حرم الله علينا الخبائث ورضي لنا بالطيبات من الأكل الشراب.
* أسلوب الحياة البعيد عن الصخب وإيذاء النفس والتوتر والقلق والضغوطات الحياتية وإمداد الروح والنفس بما يريحها من العبادات وذكر الله والعلاقات الاجتماعية الناجحة، وهناك بحث أجرته جامعة هارفارد على مجموعة من الأشخاص اتضح من خلاله أن أحد أهم أسباب من طال عمره هو التواصل الاجتماعي وتعزيز الحياة بالعلاقات الأسرية والاجتماعية ولذلك حرص الإسلام على هذا الجانب.
* الأخذ بأسباب العلاج والمتابعة العلاجية والبحث عن الدواء لقوله صَلى الله عليه وسلم: «ما من داء إلا وله دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله» فكم من مرضى فاقدين الأعضاء وكانوا على وشك الوفاة فالله أنقذهم بزراعة أعضاء بديلة مثل الكلية والكبد والقلب وغيرها فطالت أعمارهم.
* اعتماد برنامجي الرياضة والتغذية الصحية يجعلان الجسم على درجة كبيرة من العافية، وقد أشارت كثير من الأبحاث والدراسات الى أن الرياضة والتغذية السليمة تزيد من حيوية الجسم أعضاءً وخلايا وبالتالي زيادة العمر بيولوجياً.
* اكتشاف الأمصال واللقاحات ومقويات جهاز المناعة والمضادات الحيوية للالتهابات والعلاج بالخلايا الجذعية والتائية والأدوية الحديثة كلها تتم تأثيراتها الفاعلة والإيجابية من الناحية البيولوجية فتكون سببًا في اطالة العمر وتجديد الخلايا.
* وأخيرًا بعد اكتشاف الجهة المسؤولة عن عمر الخلايا موتًا وبقاءً وهي القطعة الطرفية من الكروموزومات والتي تسمى Telomer وانزيمها يسمى Telomerase قد يكون مستقبلاً معرفة أسرار النواحي الوراثية والجينية لهذا الجزء الطرفي للكروموزوم الخاص بعمر الخلية telomer يكون سببًا في مزيد من اطالة العمر بيولوجيًا وبالتالي محاربة الشيخوخة ومباركة العمر بزيادته.
إن بعض الناس تستخدم الحديث النبوي (أعمار أمتي بين الستين والسبعين وقليل من يتجاوزه) في مواجهة طول العمر وهذا يحتاج إلى مراجعة لعدة أمور منها كون الحديث عند البعض لا بأس به وعند البعض فيه علة كما أن الحديث يتكلم عن عموم الأمة أي أنه قد يكون في أزمان دون أزمان وقرون دون قرون كما فسر ذلك بعض أهل العلم كما أن الأصل في السنة النبوية هو طلب الحياة وطلب العلاج وأن يكون العمر طويلاً كما قال عليه السلام (خيركم من طال عمره وحسن عمله).
لقد تبين من خلال مؤشرات الصحة العالمية أن هناك دولاً كان متوسط أعمار الأفراد فيها ما بين ٦٠ إلى ٧٢ سنة، ومع الأخذ بأسباب النواحي الصحية الوقائية والعلاجية والتوجيهات الخاصة بالتوعية الغذائية والصحية والدوائية فقد تحسن متوسط حياة الفرد ما بين ٨٠ إلى ٨٥ سنة فزاد عمر الأفراد وهناك شيء من هذا ينطبق على دول الخليج اليوم.
بقي توضيح أنه من خلال دراسات بحثية مستقبلية يمكن معرفة الرابط البيولوجي بين التلومير الخاص بطول العمر الخلوي وبين العوامل المتعددة التي ذكرناها وكذلك بينها وبين إمكانية تجديدها من خلال الجينات مما يكون سببًا في زيادة العمر وكل ذلك يكون بقدر الله وإذنه وما كتبه في اللوح المحفوظ وما كتب لكل جنين وهو في بطن أمه، ومحاولة العلم من وجود أسباب لإطالة العمر ليس إلا نوعاً من أنواع الفرار من قدر إلى قدر.
****
* أشكر لمعالي وزير العمل والتنمية الاجتماعية الأستاذ أحمد سليمان الراجحي تجاوبه مع مقال الأسبوع الماضي (مراكز الأحياء ورؤية 2030) وتأكيده في رسالة تلقيتها منه بدراسة المقترحات والآراء وانها محل اهتمام الوزارة.