من أكبر دول العالم الولايات المتحدة وقد قامت على التنوع العرقي والإثني حتى اللوني، وساند هذا التنوع الدستور الذي جاء ليُحرِّم ويعاقب كل من يعبث بهذا التنوع شكلاً وسلوكاً ولغةً وديانة تأكيداً لحرية الفرد والإنصاف في المجتمع والتعايش معه.
ماليزيا أيضاً على سبيل المثال دولة عِلمانية دستورياً وإن كانت في الواقع تقع ضمن خريطة العالم الإسلامي والعِلمانية هنا ليس معناها لا دين لها وإنما تُؤمن بحرية الأديان. الغرب يتهم المسلمين بالتقوقع دون الاندماج في المجتمع الغربي وأن ثقافتهم تخلو من التسامح كلمةً وممارسة، وحقيقة الأمر غير ذلك ولنا في رسول الله أسوةٌ حسنة وكلنا ندرك أن الإسلام هو دين التسامح والصفح الجميل، قال تعالى (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ). قال سيد البشر (مَن يُحْرَمِ الرِّفْقَ يُحْرَمِ الخيرَ كُلَّه) وإن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه ولا يُنزع من شيء إلا شانه ويشمل هذا الأمر حتى في الجدال مع المخالف.
من الشيء اللافت في المجتمعات الغربية ما لوحظ في العقود الأخيرة من محاولة إثارة النزاعات الطائفية لدى شعوب العالم الإسلامي لتحقيق مآرب لا تخفى على فطنة الواعين وليس خافياً أنهم قد حققوا ما أرادوا لغياب المسلمين عن تمسكهم بتراثهم الإسلامي العريق القائم على التسامح والتعايش مع الآخر واحترامه فضلاً عن غياب التشريعات التي تحاسب من يخرج عنها، فوجد الغزو الغربي فرصة سانحة له والنتيجة ما نراه اليوم من تمزق وتشرذم واقتتال بين بعضهم البعض.
لدينا رصيد هائل في ثقافتنا يتعذر حصره للتأكيد بأننا كنا رواداً في التسامح والتعايش واحترام الآخر ولكننا في حاجة اليوم أكثر من أي وقت مضى بأن نعود كما كان أسلافنا يتعايشون ويحترمون الآخر، ولعلي أستشهد ببيتين من شعر أحمد شوقي في قصيدته (سلوا قلبي):
وَعَلَّمَـنـا بِناءَ المجدِ حَـتّى أَخَذنا إِمرَةَ الأَرضِ اغتِصابا
وَما نَيلُ المَطالِبِ بِالتَمَني وَلَكِن تُؤخذُ الدُنيا غِلابا