بثّت وكالات الأنباء العالمية في الأيام الماضية صورة امرأة فلسطينية ليس بحوزتها أي سلاح، فيما يقوم الجنود الإسرائيليون بإطلاق النّار عليها حتى فارقت الحياة شهيدة. ولو وقع هذا الحادث النكير برجل أو امرأة أو طفل من بلد أو عرق آخر لتعرّض من قام بهذا الفعل الشنيع لحملة إعلامية شعواء، ولطالب الجميع بتقديمه للعدالة، وبخاصة من حلفاء إسرائيل التقليديين. والمعروف أن الصهيونية وأفعالها القبيحة وسلوكياتها الإرهابية هي فوق المساءلة والقانون. وتبدو الصهيونية في سلوكها الدموي هذا أقرب إلى الحركة النازية.
ولقد كشف المفكّر المعروف روجيه جارودي Roger Garaudy في كتابه الموضوعي الموسوم: «الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية»، بأن نائب رئيس المنظمة الصهيونية رودولف كاستنر Rudolf Kastner أجرى مفاوضات مع الألماني أدولف أيخمان Adolf Eichmann بخصوص عرض حول الهجرة اليهودية إلى فلسطين، وقد قُدِّم كاستنر في حقبة لاحقة للمحاكمة، وتحديدًا في العام 1955م بتهمة التعاون مع النازيين؛ ولكن الصحيفة الإسرائيلية المعروفة «أحرنوت» أوضحت في عددها الصادر 23 يوليو 1955م استحالة محاكمة كاستنر، حيث قالت إنه لو حُوكم كاستنر لسوف تكون الحكومة الإسرائيلية بأسرها عُرضة للانهيار الكامل من جراء ما ستكشف عنه المحاكمة. [أنظر: الأساطير المؤسسة للسياسة الإسرائيلية، ص 100 وما بعدها].
ولم تسلم دولة الانتداب (بريطانيا) آنذاك من هذا السلوك الصهيوني الوحشي والدموي، حيث قامت عصابة أرغون الصهيونية (Irgun) بتفجير فندق الملك داوود في القدس، وذلك في عام 1946م، وكان الفندق يمثل معسكرًا للجيوش البريطانية، كما تم تدمير القاعدة العسكرية البريطانية الموجودة، وكانت حصيلة هذين العملين الإرهابيين قتل أكثر من مئة شخص، أغلبهم بريطانيون، والدافع الأساسي وراء الحادثين أن بريطانيا كانت قد حددت موعدًا لمغادرتها الأراضي الفلسطينية توطئةً لتسليمها للكيان الصهيوني الغاصب، ولم يناسب ذلك الإسرائيليين، فعمدوا إلى هذا الفعل الإجرامي ليُجبروا بريطانيا على الخروج بأعجل ما يكون، وإخلاء فلسطين لسطوة اليهود الغاصبين. كذلك قامت الحركة الصهيونية نفسها بقتل الوزير البريطاني المكلف بشؤون الشرق الأوسط؛ اللورد موين Moyne، للسبب نفسه، على اعتبار أنه كان من أبرز المؤيدين لخروج بريطانيا وفق الجدول الذي أعدته. كما أن إسرائيل رفضت أي مشروع للسلام منذ قيام كيانها الغاصب، وللتدليل على ذلك أنها قامت بقتل الوسيط الأممي كونت برنادوت Bernadotte وذلك في 17 سبتمبر 1948م، والذي كان راعيًا للسلام ومناديًا وداعمًا لعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم.
وكثيرة هي المجازر الدموية التي لحقت بسكان فلسطين الأصليين العرب، ومن أشهر تلك المجازر مجزرة دير ياسين 1948م، تلتها مجزرة قبية في 1953م، حيث قامت القوات الصهيونية بقتل 50 فلسطينيًا بينهم أطفال ونساء، ثم مجزرة كفر قاسم في عام 1956م والتي قتل فيها ما يقرب من 50 فلسطينيًا أيضًا، وتأتي أكبر المجازر وأفظعها لاحقًا، ونعني بها مجزرة صبرا وشاتيلا، التي نعيش هذه الأيام الذكرى السابعة والثلاثين لوقوعها، فتلك المجزرة هزّت ضمير العالم أجمع، لما شهدته من سلوك وحشي أظهره الحقد الصهيوني، وكشفت عن نفوس انعدمت في طواياها المشاعر الإنسانية السوية، والمؤسف حقًا أن تلك الجريمة النكراء تمت باتفاق بين وزير الدفاع الإسرائيلي آنذاك أرئيل شارون Ariel Sharon وعصابته، مع جيش لحد الجنوبي، وقد استمر القتل والتنكيل بالفلسطينيين لأربعة أيام حسوم ذاق فيها الشعب الفلسطيني أهوالاً يشيب لها الولدان، وراح ضحيتها مئات من الأطفال والنساء والعجزة، حيث لم تستثنِ آلة القتل الصهيوني المدعومة بجيش لحد الجنوبي أحدًا، وحصدت الأرواح بحقد ماحق.
إن كل تلك المجازر السابقة والحالية، واللاحقة تكشف بجلاء ووضوح لكل ذي بصيرة أن فكرة السلام ليست بندًا واردًا في أجندة الكيان الصهيوني، وليس من وراء كل هذه الجولات من المباحثات التي تجري لإنفاذ عملية السلام من طائل، ويكفي النظر إلى عديد المرات التي خرقت فيها دولة الكيان الصهيوني الغاصب قرارات الأمم المتحدة، وضربت عرض الحائط بإجماع العالم ضد سياساتها، ومضيّها منفردة في سياسة الاستيطان وفرض الأمر الواقع، وصولاً إلى نسف فكرة حل الدولتين التي ارتضاها الجميع مؤخرًا، واضعة المجتمع الدولي في حرجٍ كبير، وجاعلة من منطقة الشرق الأوسط ساحة مرتقبة لصراع مسلح لا مفر منه.
صبرا وشاتيلا.. والتاريخ الدموي للحركة الصهيونية
تاريخ النشر: 23 سبتمبر 2019 21:16 KSA
رؤية فكرية
A A